آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

اراجيز الطف 14

محمد أحمد التاروتي *

يركز الشهيد يزيد بن المهاصر الجعفي في ارجوزته، التي ارتجلها في يوم عاشوراء، على الاعتزاز بالنفس والاتصاف بالشجاعة، والبأس في قتال الأعداء، بالإضافة الى الإصرار على القتال حتى الرمق الأخير، في نصرة سيد الشهداء ، فضلا عن العزوف التام عن جيش بن سعد وهجران معسكره.

يشير يزيد الجعفي خلال ابياته على القرار المصير، الذي اتخذه في ليلة التاسع من محرم الحرام، حيث مال من معسكر عمر بن سعد الى جيش الامام الحسين ، حيث اكتشف الحقيقة وعرف الحق، مما دفعه لاتخاذ الموقف البطولي في ترك الباطل، والانخراط مع انصار شهيد كربلاء، الامر الذي يتمثل في المفردات التي ختم بها ارجوزته التي لا تتجاوز بيتين فقط.

يتناول الشهيد يزيد الجعفي في الشطر الأول من ارجوزته، التعريف بالذات عند نزوله في ساحة القتال، كتعبير عن الاعتزاز بالنفس، وعدم الالتفات الى الجيش الجرار، الذي تكالب لارتكاب ابشع الجرائم في التاريخ، بالإضافة الى ان الشطر الأول الذي يتجاوز 4 كلمات، يتضمن التعريف بابيه ”مهاصر“، فالتعريف بالأب يهدف لإزالة اللبس، والغموض في شخصية المقاتل، خصوصا وان الأسماء تتشابه وتعدد، مما يستدعي وضع الأمور في النصاب السليم، من خلال التعريف بالذات لدى الطرف المقابل، سواء للتعريف بالعشيرة او القبيلة، او محاولة بث الرعب في العدو، خصوصا وان اهل الكوفة يعرفون بعضهم البعض، وبالتالي فان بعض الأشخاص يعرفون بالشجاعة والقوة والبسالة في الحروب، الامر الذي يتطلب التعريف بالذات، لاحداث الهلع والخوف في قلوب الأعداء، حيث يقول ”أنا يزيد وأبي مهاصر“.

في الشطر الثاني من البيت الأول، يتحدث الشهيد يزيد الجعفي في ارجوزته عن شجاعته، وبأسه في اصطياد الأعداء، من خلال استخدام مفردة ”ليث“، مما يعطي دلالة على الشكيمة التي يمتاز بها في القتال، وملاحقة الأعداء لانزال العذاب الدنيوي قبل المصير الاخروي، وبالتالي فان كلمة ”ليث“ ذات دلالة قوية على مستوى الاقدام، الذي يتحلى به في مواجهة الجيش الاموي، فال ”ليث“ يختار طرائده بدقة من خلال رصدها واللحاق بها، كما ان كلمة ”هصور“ تعني الأسد، فالشطر يتحدث عن شجاعة الأسد في القتال، وليس الأسد القابع في العرين الكسلان والنائم، اذ يقول ”ليث هصور في العرين خادر“.

بينما ينتقل الشهيد يزيد في الشطر الأول، من البيت الثاني من ابياته، الى نقطة جوهرية في الموقف، الذي اتخذه في ليلة التاسع من محرم الحرام، حيث يركز على عنصر أساسي ومبدئي، سيشكل انعطافة كبرى في المرحلة القادمة، من خلال معاهدة الله على مناصر سيد الشهداء ، حتى النفس الأخير من حياته، لاسيما وان الحسين يمثل جبهة الحق، مقابل معسكر الباطل بقيادة عمر بن سعد، والذي يحتشد للانقضاض على اهل بيت النبوة بين لحظة واخرى، حيث يقول ”يا رب إني للحسين ناصر“.

وفي الشطر الأخير من ارجوزته، يضع النقاط على الحروف، وإزالة الغموض بشكل كامل، من خلال التصريح الواضح بترك جيش بن سعد وهجرانه بشكل نهائي، انطلاقا من قناعات راسخة بالمصير الذي ينتظره في الدنيا قبل الاخرة، خصوصا وانه يقف على أهبة الاستعداد لاراقة الدماء الزكية من اهل بيت الرسالة، الامر الذي يدفع للابتعاد الكامل عن هذه الجبهة، نظرا لما تمثله من وصمة عار في جبين صفحات التاريخ، حيث كشفت الاحداث اللاحقة مدى بشاعة المجزرة الدموية، التي ارتكبها الجيش الاموي في يوم عاشوراء الخالدة، حيث ”ولابن سعد تارك وهاجر“.

وينقل التاريخ ان يزيد بن المهاصر الجعفي ارجتز:

أنا يزيد وأبي مهاصر* * * ليث هصور في العرين خادر

يا رب إني للحسين ناصر* * * ولابن سعد تارك وهاجر.

كاتب صحفي