آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

حضور الزهراء بين الإمكان والوقوع

صالح العلي *

كنت أتصفح الانترنت لقراءة المقالات التي يكتبها الكتاب في شهر محرم الحرام عن أبي عبدالله الحسين بن علي «المقتول ظلما وعدوانا» وأثناء تصفحي وقعت عيني على ما كتبه الأخ الكريم زاهر العبد الله بعنوان ”حوارية رقم «56» إمكان حضور الزهراء “ على موقع جهينة عن إمكانية حضور السيدة الزهراء في مجالس العزاء التي يُقرأ فيها ما جرى على إمام المسلمين الإمام الحسين وكانت المقالة على شكل حوارية ثنائية بينه وبين شخص لا يعتقد بوقوع حضور السيدة الزهراء واستدال أولا بالإمكان العقلي وثانيا ببعض الروايات لإثبات الحضور، وبعد غض النظر عن كثير مما جاء فيما كتبه لنا على أدلته ملاحظتين:

الأولى: أن الإمكان أعم من الوقوع، وإمكان وقوع أمر ما لا يلزم ثبوت وقوعه في عالم الإثبات لذا يبقى الكلام كل الكلام في إثبات وقوع الحضور الجسماني أو الحضور المجرد عن المادة ولا طريق لنا إليه إلا من الروايات وسيأتي الكلام عليها، والكلام هو الكلام مع قدرة الله التي لا حدود لها فإنها وإن كانت ثابتة بالقطع واليقين «كما نص القرآن على ذلك» إلا أنه لا يلزم منها إثبات حضور السيدة الزهراء لا بالمعنى الجسماني ولا بالمعنى المجرد عن المادة فكون الله قادر على إرجاع شخص «أي أن يحضره» إلى عالمنا من عالم الآخرة لا يلزم منه إثبات الرجوع فنحن بحاجة لدليل لإثبات الرجوع بالمعنيين أو أحدهما فهي كالإمكان لا تصح دليل لإثبات الوقوع.

الملاحظة الثانية: استدل الأخ زاهر بروايتين آحاد لإثبات المدعى وإليك نصهما مع المناقشة:

• الرواية الأولى: أخرجها جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات ص 231 قائلا: حدثني حكيم بن داود، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسن ابن علي الوشاء، عمن ذكره، عن داود بن كثير، عن أبي عبد الله، قال: «ان فاطمة بنت محمد ﷺ تحضر لزوار قبر ابنها الحسين فتستغفر لهم ذنوبهم» ونقلها تلاميذ السيد البروجردي في كتاب جامع أحاديث الشيعة ج 12 ص 372 وهو كتاب طبع بتوجيه السيد نفسه.

ولنأتي لرواة سند الرواية حتى يتضح لك حالها وهل ثبت اعتبارها حتى تكون حجة يصح الاستناد والاعتماد عليها في إثبات المدعى أم لا:

1. داود بن كثير مختلف في وثاقته فقد وثقه الشيخ الطوسي وضعفه ابن الغضائري والنجاشي وبن عبدون ورجح ضعفه السيد الخوئي رحمه الله ”للمزيد من التفصيل حول ضعف الراوي يرجع لكتاب الضعفاء من رجال الحديث ج 2 ص 16“.

2. عمن ذكره «مجهول».

3. سلمة بن الخطاب ضعفه ابن الغضائري والنجاشي والعلامة الحلي وابن داود ”للمزيد من التفصيل حول ضعف الراوي يرجع لكتاب الضعفاء من رجال الحديث لحسين الساعدي ج 2 ص 101“.

4. حكيم بن داود «وهو ثقة على مختار السيد الخوئي رحمه الله في آخر عمره لكونه شيخ ابن قولويه وأن عبارته في المقدمة دالة على توثق مشايخه».

ومع هذا فالرواية آحاد ضعيفة سندا بداود والإرسال وسلمة ولم يثبت تواترها حتى نغض النظر عن ضعف رجالها وممن ضعفها من علمائنا المحقق الشيخ محمد آصف محسني رحمه الله في كتابه الأحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ص 317.

وقد يقال بأن ابن قولويه قد شهد في كتابه كما في المقدمة بأنه لا يروي إلا عن الرواة الثقات وبالتالي فالأحاديث في كامل الزيارات معتبرة لكن المحققين من علمائنا في علم الرجال والحديث ناقشوا هذه العبارة وبينو بأنها لا تفيد توثيق كل رواة كامل الزيارات قال السيد السيستاني كما في تقرير بحثه لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ص 21: «ولكن الصحيح إن العبارة المذكورة في المقدمة لا تدل على هذا المعنى بل مفادها أنه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين، لذا لم يكن قد أخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم، المعبر عنهم بنقاد الأحاديث كمحمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبد الله وأضرابهما وأما لو كان قد أخرجها بعض هؤلاء سوآءا كانوا من مشايخه أو مشايخ مشايخه فهو يعتمدها ويوردها في كتابه، فكأنه قدس سره يكتفي في الاعتماد على روايات الشذاذ من الرجال - على حد تعبيره - بإيرادها من قبل بعض هؤلاء الأعاظم من نقاد الأحاديث فليس مراده وثاقة جميع من وقع في أسانيد رواياته فإن منهم من لا شائبة في ضعفه وليس مراده وثاقة عامة مشايخه فإن منهم من لا تنطبق عليهم الصفة التي وصفهم بها قدس سره وهي كونهم مشهورين بالحديث والعلم» وقال الشيخ محمد آصف المحسني في بحوث في علم الرجال ص 62 «إنّ عبارة ابن قولويه لا تدلّ على وثاقة جميع من روي عنهم، كما عن سيّدنا الأستاذ «الخوئي» رحمه اللّه ولا على وثاقة كلّ مشايخه، كما عن المحدّث النوري».

وعلى تقدير اعتبار سند الرواية وأنها صادرة عن الصادق فهي أقصى ما تدل عليه أنها تحضر قبر ابنها الإمام الحسين وتستغفر لزوار القبر ذنوبهم لا أنها تحضر كل مجالس العزاء التي يرثى فيها ابنها، ولعل الحضور في الرواية ليس حضورا جسماني كما يبدو من ذيلها بل هو شهادتها على أعمال زوار ابنها فتستغفر لهم عند الله بعكس الرواية الثانية التي استدل بها الأخ زاهر.

• الرواية الثانية:

قال خطيب المنبر السيد علي الهاشمي: «فالزهراء تبكي على ولدها، بل وتحضر جميع المآتم كما روي: ”أن فضيل صنع مآتماً للحسين عليه‌ السلام، ولم يخبر به إمامنا الصادق عليه ‌السلام، فلمّا كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام روحي فداه، فقال له: يا فضيل اين كنت البارحة؟ قال: سيدي شغل عاقني، فقال: يا فضيل لا تخفي عليَّ، أما صنعت مأتماً وأقمت بدارك عزاء في مصاب جدّي الحسين عليه ‌السلام؟ فقال: بلى سيدي، فقال عليه ‌السلام: وأنا كنت حاضراً، قال: سيدي إذا ما رأيتك؟! أين كنت جالس؟ فقال عليه ‌السلام: لما أردت الخروج من البيت أما عثرت بثوب أبيض؟ قال: بلى سيدي، قال عليه‌ السلام: انا كنت جالسا هناك، فقال له: سيدي لم جلست بباب البيت ولم ما تصدرت في المجلس؟ فقال الصادق عليه‌ السلام: كانت جدتي فاطمة بصدر المجلس جالسة، لذا ما تصدرت إجلالا لها“.

ففاطمة عليه ‌السلام تحضر في كل عزاء يعقد لولدها الحسين عليه‌ السلام، كما حضرت مصرعه فرأته يوم عاشوراء بعد الظهر بساعة» ثمرات الأعواد ج 1 ص 31 و32.

ويلاحظ على ما نقله السيد الهاشمي واعتمد هذه الرواية الأخ زاهر:

أولا: أن هذه الرواية المنسوبة للإمام الصادق ممن تفرد بنقلها السيد الهاشمي ولم تنقلها المجاميع الحديثية الكبيرة كبحار الأنوار والفاصلة الزمنية بينه وبين الامام الصادق 1178 سنة وهي فجوة زمنية كبيرة جدا يصعب ترميمها من الناحية الرجالية كما أن السيد الهاشمي صدرها بصيغة التمريض ”روي“ ولم يذكر مصدرها فهي ضعيفة لم يثبت اعتبارها لا أقل بالإرسال.

وقد يقال بأن هذه الرواية تاريخية توثق حدث تاريخي فلا مانع من القبول بها والجواب بعد غض النظر عن أن التاريخ كان مرتع خصب للوضاعين والكذابين وروايات الضعفاء والاشتباهات وغيرها من العلل نقول بأن هذه الرواية فيها جانب عقائدي لا ينبغي الغفلة عنه وهو حضورها وهو أمر لابد من ثبوته بالقطع واليقين أو بدليل معتبر.

ثانيا: أن السيد الهاشمي ادعى أنها تحضر في كل مآتم يقام لابنها جميع المآتم بالرغم من أن الرواية التي نسبها للصادق لا دلالة فيها على الدعوى وأقصى ما تدل عليه أنها حضرت في المجلس الذي عقده فضيل والنص المنسوب للإمام الصادق ليس فيه ما يدل على حضورها جميع المآتم والمجالس لذا لا يصح كدليل يستند عليه لتعميم هذا الحضور وإثبات أنها تحضر كل المآتم، ثم كيف خفي على فضيل وهو من خواصه وجود الإمام في المجلس مع أن حضوره كان جسماني؟

أضف إلى أن دعوى السيد الهاشمي رحمه الله من أن السيدة الزهراء حضرت يوم العاشر مصرع ابنها لم أجد عليه دليل معتبر ولم يذكر مستنده والإمكان العقلي ليس دليل يعتمد عليه لإثبات تحقق ووقوع الحضور.

كما لا ينبغي الغفلة عن أن السيد الهاشمي خطيب منبري والخطباء كثير منهم لا يدقق ولا يمحص ما ينقله بل ربما يروي الرواية بالمعنى من دون قصد فيختل نص الرواية ولربما كان مقصود السيد الهاشمي من الرواية هو لسان الحال لا الواقع والله أعلم بحقيقة الحال.

وحتى لو فُسر الحضور في الرواية بالحضور المجرد عن المادة فهذا أيضا يحتاج لدليل معتبر لإثباته والرواية التي يُستند إليه ضعيفة كما سبق بيانه وهي لا توجب علم والعقيدة لا يصح أن تبنى على رواية آحاد ضعيفة لم تتوفر فيها شرائط الاعتبار ولم يثبت تواترها.

وخلاصة ما تقدم أن كلا الروايتان لم يثبت اعتبارهما ولا تواترهما حتى نغض النظر عن المحاكمة السندية فضلا أن الرواية الأولى لا تسلم نفسها لمن يدعي حضورها المجرد عن المادة لجميع مجالس الرثاء الحسيني والرواية الثانية ذكرها متأخر المتأخرين مرسلا ولم يذكر مصدرها، والعقائد لا تبنى على رواية آحاد لم يثبت تواترها ثم إن عدم ثبوت الحضور لا يقلل من قيمة المآتم كما أنه لا ينقص من قيمة إيمان المؤمن.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
زاهر حسين العبدالله
[ الأحساء ]: 12 / 2 / 2023م - 7:44 م
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي العزيز اشكر اهتمامك لقراءة الحوارية ولكن يبدوا أنك اخطأت حين قلت ان الأخ زاهر اعتمد على الروايات في إثبات الحضور فلم اعتمد على ذلك بل أعتمدت على الإمكان المتعلق بقدرة الله سبحانه والذي أتيت له بشواهد من القرآن الكريم مثل عرش بلقيس وغيرها وركزنا على فلسفة الوجود الإمكاني المرتبط بقدرة الله سبحانه وأثره في حضور القلب واستدرار الدمعه وذكرنا من باب المثال كقرينه على الحضور من الروايات الذي زعمت انها أحاد ولو رجعت في باب المستحبات والكرامات لاعبرة دقيقة بالسند وإنما بالسبب مالم تعارض صريح القرآن الكريم والعترة الطاهرة
رابط المقال للمراجعة : https://www.bshaer.net/2020/09/09/ksr/
2
صالح حسن العلي
[ السعودية-الأحساء ]: 17 / 2 / 2023م - 7:57 ص
الأخ زاهر تحية طيبة يبدو أنك لم تقرأ هذا الجزء ففيه نقاشت مسألة الإمكان
" الإمكان أعم من الوقوع، وإمكان وقوع أمر ما لا يلزم ثبوت وقوعه في عالم الإثبات لذا يبقى الكلام كل الكلام في إثبات وقوع الحضور الجسماني أو الحضور المجرد عن المادة ولا طريق لنا إليه إلا من الروايات وسيأتي الكلام عليها، والكلام هو الكلام مع قدرة الله التي لا حدود لها فإنها وإن كانت ثابتة بالقطع واليقين «كما نص القرآن على ذلك» إلا أنه لا يلزم منها إثبات حضور السيدة الزهراء لا بالمعنى الجسماني ولا بالمعنى المجرد عن المادة فكون الله قادر على إرجاع شخص «أي أن يحضره» إلى عالمنا من عالم الآخرة لا يلزم منه إثبات الرجوع فنحن بحاجة لدليل لإثبات الرجوع بالمعنيين أو أحدهما فهي كالإمكان لا تصح دليل لإثبات الوقوع "
3
زاهر حسين العبدالله
[ الأحساء ]: 25 / 2 / 2023م - 6:58 م
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي العزيز صالح جنابكم رتب أثر على مانقلته من روايات وقلت أنه اعتمد عليهم في حال ما اعتمدت عليه هو الإمكان والروايات أخذتها كقرينه يبقى انك تهدف إلى الوجود الجسماني
إذا تقصد الوجود المادي الذي يخضع الحواس الخمس والذي كانت تلبسه الزهراء عليها السلام في عالم الدنيا والذي هو خاض لقوانين الزمان والمكان لا سبيل لإثباته لأنه ينافي بداهة العقل إلا لو وجد نص صريح من القرآن الكريم والعترة الطاهرة كعرش بلقيس وعصى موسى وخلق الطير وو.. أما لو لبست ثوب مثالي في عالم البرزخ الذي لا يخضع لقوانين الزمكان ولا الأسباب فما هو المانع العقلي لوجوده فكيف إذا علقناه بقدرة الحق سبحانه من باب أولى وتساعد عليه الآيات والروايات عند الفريقين في قضية السلام على النبي الأعظم