آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 2:21 م

اراجيز الطف 17

محمد أحمد التاروتي *

تحمل ارجوزة زُهَيرِ بنِ القَينِ البَجَلِيِّ، التي ارتجلها في يوم العاشوراء في طياتها الشجاعة، والاستعداد الكامل للتضحية بالنفس في سبيل سيد الشهداء، بالإضافة الى التطلع بملاقاة رسول الله ﷺ في الجنان، فضلا عن ملاقاة الشهداء في الفردوس، فالكلمات التي اختارها توحي بقناعة راسخة بالمصير، الذي ينتظره بعد الشهادة في ساحة كربلاء.

الشهيد زهير بن القين من كبار شيوخ قبيلة بجيلة في الكوفة، حيث يعتبر من الشخصيات المرموقة في قومه، فضلا عن التحلي بالشجاعة والقوة، اذ سجلت معركة الطف مواقف بطولية للشهيد خلال قتاله الجيش الاموي، فجيش عمر بن سعد ”لم ير قتالا مثله ولم يسمع بشبهه“، فقد التحق بركب سيد الشهداء قبل يوم عاشوراء بايام قليلة، حيث كان على ميمنة جيشه في واقعة الطف.

في الشطر الأول من ارجوزة الشهيد زهير بن القين، يركز على التعريف بالذات والشرف الذي ينتمي اليه، فالكلمات التي اختارها في البيت الأول تتضمن تذكير الجيش الاموي بشخصه، والبطولة التي يتحلى بها، خصوصا وان مجتمع الكوفة يعرف شخصية زهير خير المعرفة، باعتباره من اشراف قبيلة ”بجيلة“ التي يحتل مكانة بارزة في الكوفة، بالإضافة لذلك فان الشهيد من الشخصيات التي تحظى باحترام لدى اهل الكوفة، وبالتالي فان التعريف بالذات يمثل خطوة أساسية لايصال المعلومة الدقيقة بهوية الشخص القادم للقتال، الامر الذي يحدث حالة من الارباك والوجل لدى جيش عمر بن سعد، فقد استطاع الإطاحة بالرؤوس الكثيرة في الحملات، التي خاضها في ميدان القتال بارض كربلاء، حيث يقول ”أنا زهير وأنا ابن القين“.

بينما الشطر الثاني من البيت الأول، يتطرق الى الرغبة الراسخة في الثبات في القتال، وعدم التردد في التضحية بالذات، في سبيل الدفاع عن اهل بيت النبوة ﷺ، حيث يمثل القتال تحت راية الامام الحسين ابرز مصاديق نصرة عن بيت العترة الطاهرة ، لاسيما وان الجيش الاموي يتحرك لاراقة الدماء الطاهرة لابن بنت رسول الله ﷺ، بالإضافة الى الكوكبة من اهل بيته ، مما يحفز على التضحية بالذات، حيث يتجلى ذلك في المفردات التي تحمل في طياتها الإصرار، على القتال في وجه الجيش الاموي، فمفردة ”الذود“ تعطي إشارات واضحة بالقدرة على الدفاع عن الحسين بالسيف، وعدم التردد في التضحية بالنفس، واللقاء بكوكبة الشهداء الذين سقطوا، في ساحة الوغي بمعركة كربلاء الخالدة، حيث يقول ”أذودكم بالسيف عن حسين“.

يتطرق في الشطر الأول من البيت الثاني، الى توطين النفس على الموت في سبيل الله، انطلاقا من المسؤولية الدينية أولا، والمكانة التي اختارها الله للامام الحسين ثانيا، باعتباره حجة الله على ارضه، مما يجعله وسيلة لهداية الناس، فضلا عن حرصه على انقاذ البشر من الضلالة، وبالتالي فان مسؤولية المسلم تفرض الدفاع عن حجة الله على ارض، حيث يقول ”“ فدتك نفسي هادياً مهدياً".

وفي الشطر الأخير من البيت الثاني، ينتقل الشهيد زهير بن القين الى حقيقة ناصعة لكل مسلم، وهي ملاقاة الرسوم الأعظم بمجرد ارتقاء الروح الى خالقها، خصوصا وان الدفاع عن سبط المصطفى ﷺ شرف عظيم، انطلاقا من المكانة التي يحظى بها في الإسلام، بالإضافة الى المكانة التي يحتلها الامام الحسين لدى رسول الله ﷺ، وبالتالي فان الشهادة في سبيل الله أولا، والدفاع عن المبادئ الإسلامية التي يجسدها الامام الحسين ثانيا، تمثل طريقا لملاقاة رسول الإسلام ﷺ، حيث يقول ”اليوم ألقى جدّك النبيا“.

فيما يواصل الشهيد زهير بن القين، قناعته الراسخة بحتمية ملاقاة اهل بيت النبوة ﷺ في جنان الخلد، فالالام التي يشعر بها الجسد جراء الطعن، والضرب من قبل الأعداء، ستتلاشى بمجرد مصافحة أولياء الله في الاخرة، فالشهادة محطة للفوز بشرف ملاقاة امام المتقين ، وكذلك سيد شباب اهل الجنة الامام الحسن ، حيث يقول ”وحسناً والمرتضى علياً“.

وفي الشطر الأخير من البيت الثالث، ”، يخلص الى ان مصيره سيكون كمصير جعفر الطيار في جنان الخلد، فالشهادة تحت راية الامام الحسين“ ع ”امنية، لا يلقاها سوى من امتحن الله قلبه بالايمان، حيث يرى مصيره رأي العين، مما يحفز على المسارعة في نيل الشهادة، وعدم التردد في قتال الأعداء بكل قوة وبسالة، اذ يقول“ وذا الجناحين الشهيد الحيا ".

ينقل المؤرخون ان زهيرا تقدّم فجعل يقاتل قتالاً لم يُر مثله، ولم يُسمع بشبهه، وأخذ يحمل على القوم، وهو يرتجز ويقول:

أنا زهير وأنا ابن القين == أذودكم بالسيف عن حسين

ثم رجع فوقف أمام الحسين وقال له:

فدتك نفسي هادياً مهدياً== اليوم ألقى جدّك النبيا

وحسناً والمرتضى علياً== وذا الجناحين الشهيد الحيا

كاتب صحفي