آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 8:35 م

اراجيز الطف 18

محمد أحمد التاروتي *

يتحدث وهب الكلبي العليمي في ارجوزته، التي نظمها عند انحداره في ساحة القتال عن نسبه الشريف في قومه، وكذلك الشجاعة ورجاحة العقل، فضلا عن الاقدام وعدم الخوف في المعارك، حيث اختار مفردات عميقة تنم عن قدرته في تطويع الكلمات، وكذلك فصاحته الكبيرة وقدرته على الارتجال في نظم الشعر.

يتناول في الشطر الأول من ابياته، مدخلا أساسيا وضمن الأعراف المألوفة في المعارك آنذاك، فالمقاتل اثناء نزوله للميدان يعمد للتعريف بالذات، كنوع من الاعتزاز بالنسب الذي ينتمي اليه، بالإضافة لمحاولة احداث بعض الخوف في الطرف المقابل، لذا فان التعريف بالذات يعد من الأولويات، في غالبية النزالات بالحروب، لاسيما وان المبارزة تقوم على التكافؤ بين المقاتلين، فالمحارب يرفض منازلة شخص يقل عنه شرفا ومكانة، مما يستوجب التعريف بالنفس قبل بدء النزال في المعارك، حيث يقول في ارجوزته، ”إنْ تُنكروني فأنا ابنُ كلبِ“.

ويكمل الشهيد وهب الكلبي في الشطر الثاني من البيت الأول، التعريف بالذات عبر الانتساب لقبيلة التي ينحدر منها، فالشطر يتضمن مفردة ”عليم“ وهي العشيرة التي ينتمي اليها، حيث يحمل الشطر مقدارا رفيعا من الفخر والاعتزاز بالنسب، من خلال ترديد مفردة ”حَسْبيَ“ مما يعطي دلالة على عدم الخجل من التعريف بهذه القبيلة، وبالتالي فان محاولة التقليل من شأنه لا يقدم ولا يؤخر شيئا، فهو يعتبر الانتماء لهذه القبيلة شرف كبير، حيث يقول ”حَسْبيَ بيتي في عُلَيمٍ حَسْبي“.

وفي الشطر الأول من البيت الثاني، ينتقل الشهيد وهب الكلبي الى الشجاعة، التي يتحلى بها في ميادين الحروب والبطولات، التي يسجلها في مختلف المعارك، فهو يمتلك القدرة الكبيرة في الحاق الهزيمة في العدو في لمحة بصر، حيث اختبار مفردة ”مرّة“ التي تعني القوة والشدة في القتال، بالإضافة لاستخدام كلمة ”عَضْبِ“ التي تحمل معاني عديدة منها القطع، وبالتالي فان مضمون الشطر الثاني يحمل معنى الشدة وسرعة القطع للعدو، الامر الذي يسهم في احداث حالة من الوجل والخشية، لدى الطرف المقابل بمجرد التفكير في المبارزة، حيث يقول ”إنّي آمرؤٌ ذو مِرّةٍ وعَضْبِ“.

بينما يتحدث في الشطر الأخير من البيت الثاني، عن الشجاعة والاقدام عند نزول المحن، حيث يستعير مفردات تحمل في طياتها الخوف والضعف، بهدف نفي هذه الصفات على الاطلاق، حيث اختار مفردة ”خوّار“ التي تحمل معنى الجبن والخوف، وبالتالي فانه يحاول ارسال رسالة واضحة للعدو، بعدم تسلل الخوف الى قلبه على الاطلاق، فقد اختيار الموت والقتال في سبيل نصرة الحق، المتمثل في سيد الشهداء ، مما دفعه للقول في ارجوزته ”ولستُ بالخَوّارِ عند النكب“.

فيما يحمل الشطر الأول من البيت الثالث، الاعتزاز بالنفس عبر اختيار مفردة ”زعيم“، حيث يحاول الشهيد القول بانه عند حسن الظن، وعدم تخيب الامال على الاطلاق، نظرا لوجود الإرادة الصادقة في ترجمة المواقف البطولية في ساحة المعركة، وعدم التردد في التضحية بالذات والالتحاق بكوكبة الشهداء، الذين تساقطوا على ارض كربلاء في يوم عاشوراء، حيث يقول ”إنّي زعيمٌ لكِ أمَّ وَهْبِ“.

وينتقل الشهيد وهب الكلبي في الشطر الأخير من البيت الثالث، الى تسجيل ملحمته البطولية في مقارعة الجيش الاموي، حيث يستخدم مفردة ”الطعن“ و”الضرب“، في محاولة واضحة على الإصرار على الحاق الهزيمة والذل، بكل من يحاول الوقوف امامه، فساحات المعارك تشهد له بالكثير البطولات، اذ لم يصمد احد امام ضرباته القوية والقاطعة، حيث يقول ”بالطعنِ فيهم مُقْدِماً والضربِ“.

ويخلص الشهيد في ارجوزته الى الانتقال الايمان الكامل بالرب، فهو يرجو رضوان الله تعالى في قتاله للاعداء في ساحة الطف، فالضرب ليس من باب الانتقام او التشفي، بقدر ما يمثل استجابة لنداء الواجب، والدفاع عن الحق في سبيل الله، حيث يمثل سيد الشهداء طريق الجناة، والفوز بالرضوان في رياض الجنان، حيث يقول ”ضرب غلام مؤمن بالرّب“. ‏

ينقل المؤرخون ان وهب الكلبي ارتجز عند نزوله لساحة الميدان بالقول:

إنْ تُنكروني فأنا ابنُ كلبِ ==حَسْبيَ بيتي في عُلَيمٍ حَسْبي

إنّي آمرؤٌ ذو مِرّةٍ وعَضْبِ ==ولستُ بالخَوّارِ عند النكب

إنّي زعيمٌ لكِ أمَّ وَهْبِ ==بالطعنِ فيهم مُقْدِماً والضربِ

ضرب غلام مؤمن بالرّب‏

كاتب صحفي