آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:55 ص

الفراق المؤلم

نَعَت القطيفُ فقيدَها *** وأيُّ خطْبٍ قد وقَعْ
يا شيخ عباسَ الذي *** من فقْدِهِ القلبُ انفجَعْ

شعر زكي بن الملا سعيد الخاطر

لقد آلمنا جميعاً في القطيف كما آلم جميع الموالين في كل مكان نبأ رحيل العالم الجليل والمربي الفاضل والخطيب المفوه العلامة الشيخ عباس المحروس رحمه الله. فلقد افنى عمره في خدمة دينه ومجتمعه، فكان عالماً عاملاً، ملك قلوب الجميع فاحبوه وبادلوه الوفاء. كان الجميع يتلهف لمعرفة خبر يطمئن القلوب بتحسن وضعه الصحي وعودته لاهله ومحبيه، وتوالت الدعوات والتوسلات إلى الله بذلك، ولكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.

رحل عنا الشيخ الجليل فأيتمنا من جديد، فمنذ ما يربو على أربعين عاماً والوالد الغالي المرحوم الحاج الملا سعيد بن ناصر الخاطر كان يصطحبنا إلى حيث مسجد الشيخ عباس رحمه الله ومجلسه وبيته ومنبره، فكان أُنسنا النهل من علومه واخلاقه وتقبيل يديه الحانيتين وجبينه الأغر. وفي يوم رحيل والدنا كان الشيخ رحمه الله أول المسارعين بقلب منكسر وعيون مغرورقة بالدموع ورجلين لا تكادان تحملانه للصلاة عليه وتوديعه. وكنا نسمع نحيب الشيخ وحشرجة صوته وهو يصلي على الوالد على شفير قبره. لقد كان الشيخ ملاذنا بعد وفاة والدنا وجابر كسرنا وبلسم جرحنا الغائر. تطيب قلوبنا بحديثه وتهدأ نفوسنا برؤيته وتبرد جمرتنا بابتسامته.

وعندما ابتلاه الله بالمرض رفعة لمقامه وعلواً لدرجته، كادت قلوبنا تطير وتتفطر «كما قلوب جميع محبيه» ونحن نبحث عن فرصة بحجم سَمِّ الخياط لرؤيته والاطمئنان عليه، ولكن إرادة الله فوق كل شيء. فقد أراد الله أن يغيِّبه عنا وعن جميع محبيه وعادت قلوبنا المنكسرة إلى الرجفان وانفسنا إلى الهلع وجروحنا إلى الفتح من جديد. وفي ليلة الاثنين المصادف 24 ربيع الثاني 1443 هـ وبعد مضي اقل من خمسة اشهر على فراق والدنا المرحوم والذي لم تبرد جمرته بعد، جاءنا الخبر المؤلم كالصاعقة يحمل الينا نبأً قاصماً لظهورنا ومعيداً لنا احزاننا ويتمنا من جديد. فلقد تحققت رؤيا الشيخ التي قصّها علينا بأن الوالد دعاه وهو ممسكٌ بيده ليأخذه معه إلى مكان يحبانه كلاهما ويتلهفان لزيارته، فأخذه الوالد معه إلى طوس حيث انيس النفوس . وفي ليلة الرحيل المؤلم لسماحة الشيخ، رأى احد المؤمنين الوالد رحمه الله في الرؤيا وهو في أبهى حلته مسرعاً قائلاً ان لديه موعداً لا يرغب ان يتأخر عنه «انه موعد استقباله لسماحة الشيخ في جنة الرضا »، فهنيئاً لهما اللقاء من جديد عند من يحبان. ونسأل الله لنا العون والصبر والسلوان لفقدهما والتحسر عليهما والبكاء عليهما الذي لن ينقضي ابدا.

افهل تقدر انفسنا على الذهاب لمسجده ورؤية محرابه خالٍ منه، ام هل تستطيع ارجلنا حملنا لبيته الخالي من محيَّاه، ام هل تتحمل قلوبنا المنكسرة حضور مجلسه دون السلام عليه وتقبيل جبينه الوضَّاء عند الدخول، ام هل تخيب ظنوننا برؤيته على منبر الوعظ والإرشاد من جديد؟؟؟

انها إرادة الله التي لا ترد وقضاء الله النافذ وليس لنا إلا التسليم، حيث خرج عشرات الألوف من محبيه من كل حدب وصوب بذهول وبقلوب منكسرة ودموع منهمرة لتشييعه والصلاة عليه وحمله على الاعناق إلى مثواه الأخير بقلوب مؤمنة ونفوس مطمئنة بقضاء الله وقدره. فنسأل الله ان يتغمده ويتغمد والدنا بواسع رحمته وان يحشرهما مع من أحبّا وخدما وأطاعا، محمد وآل محمد. وانا لله وانا اليه راجعون.