آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

قليلٌ من المرضِ كثير!

أصابتني حمَّى، مع أنني أخذتُ الوقايةَ منها، وأنَّى لمن له نصيب لا يلاقيه في الحياة؟! كنتُ قبل الحمَّى أظنّ أن قوَّتي وعافيتي أقيسها بقوَّة الحصانِ الجامح، أصبحتُ بقوّة الجدي في أحسنِ الحالات وبقوة الفرخة المبللة بالمطر في أسوأ الحالات. هي زيارة لمرةٍ واحدة - تقريبًا - في السنَّة، وفي كل زيارة كأنها المرَّة الأولى في حرارةِ اللقاء!

معافى؟ المرض لا يعنيني، غنيّ؟ الفقر لا يهمنّي، آمن؟ الخوف لا يشغلني، كل نعمةٍ نحن فيها لا يشغلنا فقدها إلا إذا ذهبت ولو مؤقتًا! مسكين ابن آدم، يحفر الأرضَ ويدكّ الجبال، يخترع ويبتكر ويفكر، إلا أن جرثومةً صغيرة جدًّا لا يراها بعينه مهما قويت تلزمه الفراش وبإمكانها أن تقتله! فما هذه القوَّة المقيَّدة؟! أنا ربكم الأعلى، هذه الأنهار تجري من تحتي، أنا أحيي وأميت، إنما أوتيته على علمٍ عندي! كل ذلك مع القوَّة والصحَّة والمال، ثم تتحول هذه الدعاوى إلى ركامٍ من الأمنيات!

هذا الذي في صحته يمشي في الأرضِ طولًا وعرضًا، هو كما قال عنه الإمام عليّ ابن أبي طالب عليه السَّلام: مِسْكِينٌ اِبْنُ آدَمَ مَكْتُومُ اَلْأَجَلِ مَكْنُونُ اَلْعِلَلِ مَحْفُوظُ اَلْعَمَلِ تُؤْلِمُهُ اَلْبَقَّةُ وَ تَقْتُلُهُ اَلشَّرْقَةُ وَ تُنْتِنُهُ اَلْعَرْقَةُ.

شكوانا من المرض هي أوقات للتواضع ومعرفة أن منزِّل الدّاء هو الذي يعطي العافية. وفي كل مرة يتأكد لنا شيء واحد، أننا أقوياء وفي ذاتِ الوقتِ ضعفاء. هكذا يفعل بنا المرض حين يدقّ أبوابنا، وبعد أن يزول نعود لما كنّا فيه ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ . عنه «صلى اللهُ عليهِ وآله»: لولا ثلاث في ابن آدم ما طأطأَ رأسه شيء: المرض، والفقر، والموت، كلهم فيه، وإنه معهنّ لوثَّاب!

أنتم المسنون، اعتنوا باجسامكم وحافظوا على صحَّتكم، وأنتم الشَّباب استمتعوا بها ”الصحَّة أهنأ اللّذتين“، لا تفرِّطوا فيها ولا تضيّعوها.

مستشار أعلى هندسة بترول