آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 2:42 م

الغايات وتخصيب الأهداف

المهندس أمير الصالح *

الحصول على شهادة أكاديمية والزواج وامتلاك منزل والتبرع بمبلغ سخي لإحدى الجمعيات الخيرية وكفالة عدة أيتام والسفر سياحة لدول معينة وأداء فرض الحج أهداف يمكن للبعض تحقيقها وقد يكون البعض حققها بالفعل. إلا أنه وبالمجمل، يكون ذات الشخص وإن أنجز أهداف تتعلق بالمال أو تتعلق بالمنصب الوظيفي إلا أنه لا يعني بأنه بلغ ونال وسام أب مثالي أو زوج مثالي أو مدير مثالي أو صديق مثالي أو صهر مثالي. فهذه الغايات تحتاج إلى حيوية وتخصيب مستمر للأغراض purpose والانتقال مرحلة للأمام نحو هدف ثان بعد إنجاز هدف أول.

الكثير من الناس يحققون وينجزون أهداف ولكن لا ينالون غاياتهم أو يخسرون الغاية المُراد تحقيقها.

الانتقال من مرحلة الوظيفة إلى مرحلة التقاعد أو الانتقال من مرحلة الاغتراب إلى مرحلة الاستقرار أو الانتقال من مرحلة التحصيل العلمي بالجامعة إلى مرحلة العمل الميداني تحتاج إلى تحديد أهداف مرحلية هرمية واستحضار ذهني دائم للغايات الإجمالية في حياة الشخص. وفي حالة غياب أو تغييب الغايات الكبرى في ذهن البعض فإنه ذلك البعض يضيع في تحديد بوصلة مسيرة حياته وتكون الحصيلة هباءا منثورا.

لك أن تتخيل مغترب من شبه القارة الهندية استنفد أربعون عاما من عمره في العمل في إحدى دول الخليج العربي بهدف جمع المال وإرساله لأبنائه وزوجته لتحسين معيشتهم وتحقيق طموح كامل أعضاء الأسرة والاستقرار. ومع مرور الزمن حقق المغترب الاكتفاء المالي لأفراد أسرته إلا أنه أحب المال حبا جما ولم يعد يتلمس غايته من جمع المال وهدم بيديه حياة الاستقرار. وزاد ذات الشخص غرقه في حب تكديس رصيده من المال. وقد رجع إلى بلاده في شبه القارة الهندية حيث ارتحل معظم بنو جيله واغترب أبنائه في دول متعددة وأضاع هو غايته من أن يكون أب مثالي في صنع أسرة ناجحة وسعيدة ومستقرة إلى أب أناني محب للمال وللفردانية. ولعل من أكثر الأمثلة المحلية التي تطابق حال المغترب الآنفة الذكر هي حالة مضارب الأسهم اليومي وانقلابه في غاياته بعد انغماسه في التداول اليومي.

وهنا قد يقفز السؤال في ذهن البعض وهو كيف نصنع الحيوية المستمرة للمضي نحو تحقيق الغايات الكبرى التي نتطلع لبلوغها مع تقادم الزمن وتعقد المشاهد في الحياة والركون إلى الرتابة والخوف من المستقبل وضمور الموارد. يبدو لي أن النظرة الشاملة لأي أمر هي الأفضل في الانطلاق وتجزئة الغاية إلى مجموعة أهداف قابلة للإنجاز على عدة مراحل.

في يومياتنا، يردد البعض الآية الكريمة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، ويفسر البعض ذلك بأن الغاية من خلق الله للناس هي العبادة بمفهومها المحدود في ذهن ذلك البعض أي الصلاة والصوم وترديد بعض الأذكار فقط. ويغفل ذلك البعض من الناس عن مفاهيم أوسع للعبادة مثل التحصيل للعلوم النافعة والتبرع بالمال والوقت. للمحتاجين وحسن الخُلق مع كل الذين يخالطونه وجميل المعاملة وكفالة الأيتام. وأداء الأمانة وحماية المظلوم والذود عن المغصوبة حقوقهم وحسن الجوار. وصدق السريرة.

في مقتبل شبابي لم أميز الفرق بين الهدف والغاية وكثيرا ما أخلط بينهما. فكنت أعتقد ولفترة من الزمن بأن التخرج من الجامعة هو غاية، وأن الزواج غاية، وأن المنصب الوظيفي المناسب غاية، وأن التقاعد غاية، والواقع أن كل تلكم الأمور «تخرج، زواج، توفير مبلغ من المال، مركز مرموق وظيفيا، تقاعد» هم أهداف مرحلية وليست غاية. وأن الغاية من كل تلكم الأهداف هي السعادة والرضا بعد بذل الجهد والسعة.

أتذكر قول مميز لأحد المتخصصين Anthony Burrow وصاحب كتاب ”The Ecology of Purposeful Living across the Lifespan“ والذي أُستخدمت مقولته في أحد أفلام الدراما الغربية المعبرة ونصها: «كلما عرفنا أكثر من نحن وماذا نريد، كلما تجنبنا الوقوع في المكدرات وتخطينا العقبات واقتربنا نحو انجاز الغايات». من الضرورة الأساسية بمكان معرفة الإنسان طبيعة نفسه والغايات التي يسعى للظفر بها ويميز بين الأدوات التي تعينه على ذلك والغايات.