آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

هل بقيت الغربة كربة؟

المهندس هلال حسن الوحيد *

سافروا وتغربوا، فإن في السفرِ والغربة فوائد لا تعدّ، وغربة اليوم ليست مثلَ غربةِ الأمس. وفرت وسائلُ الاتصالِ الحديثة الصوتَ والصورة وبعضَ راحةِ البال، خلاف ما كان عليه الحال في الزَّمن الماضي، كم من غائبٍ لم يعد ولم يعرف أهله أين دُفن؟ نعم - الغربة هانت - فلم تعد الأسفار على أقتابِ الدوابّ في البراري، أو في سفنِ الخشبِ المتهالك في البحر.

هكذا هي الغربة، مخاطر وفوائد بينهما يبقى الإنسانُ تواقًا للسفر ومتجذرًا في أرضه التي ولد فوق ترابها وتنفسَ عذبَ هوائها. ما إن يرتحل عنها إلا ويحلم متى يعود إليها! وليس غريبًا على طبيعةِ الإنسان حب الأوطان، فكما قال الإمام عليّ «عليه السَّلام»: عمرت البلدان بحبّ الأوطان. وقوله الآخر: من كرمِ المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه، وحِفظه قديم إخوانه.

من يُعذل في حبِّ الأوطان أو يُلام؟ مع كل هذه الآلام، في السفرِ غنائم وفوائد اقتصاديَّة وعلميَّة وبناء شخصيَّة قد تفوق الجلوسَ والاستقرار! سر أودعه الله فينا، بيت من حيطان - طوب - ولدنا فيه وكبرنا، ثم انتقلنا إلى حارةٍ قريبة وبيت آخر أو إلى مدينةٍ قريبة، ولا يزال حبّ وذكريات ذلك البيت يسكن بين جوانحنا: كم منزلٍ في الأرضِ يألفه الفتى ** وحنينهُ أبدًا لأوّلِ منزلِ

مع ذلك السر: ”ربَّ بعيدٍ أقرب من قريب، وقريب أبعد من بعيد، والغريب من لم يكن له حبيب“.

من أجمل الأدعية والطلبات من الله: ”اللهم ردَّ كل غريب“، رجاء العود لكل من أبعدته الحياة عن أهلهِ ووطنه أن يعود سالمًا معافى. وإن كانت ”الغربة كربة“، إلا أن غربة الزمنِ الماضي أشدّ وأقسى من غربةِ الزمنِ الحاضر وتَجارب الانتقال - المؤقت - مغانمها كثيرة! على هذا فإنَّ جيل الشَّباب الحاضر يحتاج إلى جرعاتٍ محسوبة وموزونة من المغامرة والبحث في الفضاءِ الأوسع والأرحب.

مستشار أعلى هندسة بترول