آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

علي والمسحاة!

كم تساوي في نظركم مسحاة ”سخين“، حديدة فيها قطعة خشب يستخدمها الفلَّاح في تعديلِ الأرض؟ تظنون أنها لا تساوي الكثير؟ أقول لكم شيئًا عن رِفعة المسحاة ومن هو عليّ في نهايةِ الحكاية.

انتقل عليّ من مكَّة المكرَّمة إلى المدينةِ المنوَّرة وهو في ريعانِ شبابه. كان في المدينة بساتين وعيون ماءٍ وشجر وأراضٍ تصلح للزراعة. وهنا صاحبت المسحاة يدَ عليّ هي والسَّيف، بها يحفر الآبار ويشق في الأرضِ أخاديدَ ويسقي الشَّجر ويعمر البساتين ويتصدق بها، وبذاك - السَّيف - يبني الإنسانَ ويخرب ما بناه الكفرُ والشركُ في النفوس.

هل تصدقون أنَّ المسحاةَ كانت عند عليّ أغلى من الدنيا؟ إن لم تصدقوا، فاسألوه - هو - الذي يحكي عن نفسه أن الدنيا هجمت عليه وفي يده مسحاة يعمل بها في بستان، وكانت في صورةِ امرأةٍ جميلة فقالت له: هل لك أن تتزوج بي فأغنيكَ عن هذه المسحاة وأدلك على خزائنِ الأرض فيكون لك الملك ما بقيتَ ولعقبِك من بعدك؟ فقالَ لها: من أنتِ حتى أخطبك من أهلك؟ قالت: أنا الدنيا، قالَ: قلتُ لها: فارجعي واطلبي زوجًا غيري فلستِ من شأنِي، وأقبلَ على مسحَاته وأنشأ يقول شعرًا كان منه:

لَقَد خابَ مِن غرَّتهُ دُنيا دنِيَّة ** وَما هِي إِن غَرَت قروناً بِنائِلِ

أَتَتنا عَلى زِيِّ العَروسِ بُثَينَةٌ ** وَزينَتُها في مِثلِ تِلكَ الشَمائلِ

فَقُلتُ لَها غُرِّي سِوايِ فَإِنَّني ** عَزوفٌ عَنِ الدُنيا وَلَستُ بِجاهِلِ

تخيلوا أنه في يوم خطبته جاءه رجلان يحدثانهِ عن امرأة، إن كان يريد أن يخطبها من أبيها، امرأة من أعظمِ النِّساء، وأين كان؟ كان في بستانٍ يعمل، وجدوه متكأً على مسحاة!

أظن أنكم عرفتم أيَّ عليٍّ هذا! نعم، هو علي بن أبي طالب عليه السَّلام. وما شأننا والمسحاة في هذا الزمن؟ ما المسحاة إلا أداة عمل تتغير في كلِّ زمانٍ ومكان، ويبقى على المرء - وخاصَّة الشَّباب - أن يعمل ويكسب ويتعلم، فعليّ عليه السَّلام كان شابًّا وعنده عائلة ومسؤوليات جسيمة، لكنها لم تمنعه من العملِ والكدّ من عرقِ جبينه!

في المسحاة - وكل أدواتِ العمل - شرف ورفعة قدر! في مثل هذه الأيام من السَّنة كان النَّاس - من أهلِ القطيف - يعملون في أرضهم وكانت المسحاة في أيديهم يسقونَ الأرضَ ويزرعونَ ما كانت الأرض تنبت وتعطي لهم. تغيرت الحياةُ واشتغلوا مثلَ غيرهم في أعمالٍ أخرى، وربما لو كان عليّ عليه السَّلام في الدنيا اليوم، كان عنده آلة عمل غير المسحاة، لكن يبقى العمل والجد عنده حقيقة ثابتة لا جدالَ فيها مثل كروية الأرض!

مستشار أعلى هندسة بترول