آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

بائع الثلج .. إذا بلغتَ ستِّين سنةً فشد الهمَّة!

قصَّة، أكثركم سمعها ومنظرًا أغلبكم رآه بعينيه: بائع ثلج ينادي الزَّبائن في فصلِ الصَّيف الحار جدًّا: تعالوا يا ناس واشتروا مني قبل أن يذوبَ الثلج. من فضلكم تعالوا، الثلج رأس مالي وهو يذوب تحتَ الشَّمس! 

أليسَ هذا حال كلٍّ منا؟ عمره يذوب ويمضي، وهو رأس ماله الحقيقي! كم في سطرين من حكمة تفوق الخيال! كل شيء يسير، القطار يصفِّر آذنًا بالرحيل، الطائرة في سرعةٍ عجيبة، والسيَّارات تخب الأرض، وكلهم ينادون العمر يمشي أسرع منا كلنا، القطار والطائرة والسيَّارة.

سموها كما تشاؤون: قوالب ثلج .. ثوانٍ .. دقائق .. ساعات .. أنفاس! كلها تذوب وتنتهي ويبقى بعدها ما حصلناه فيها. "إذا بلغتَ ستِّينَ سنةً فاحسب نفسكَ في الموتى". من فضلكم، لا يجوز أن تفهموا أن الستِّين أو السَّبعين موتًا حقيقيا، إنما هو عمر "شد الهمَّة والعزم وشدّ الحيل" وهو عمر "خذ حذرك" فإنك غير معذور! المهم أن يغلبَ فينا الخيرُ الشرَّ في هذهِ الأعمار، ويأتي بالربح، فلا عمر يفنى بعد الذِّكرِ الجميل ولا بيعَ فيه خسارة إذا كان فيه الجنَّة ورضا الله.

لا تقولوا ما أغربه من كلام فيه دعوة للموت! كلَّا فالدنيا مزرعة الآخرة، وكل نَفَسٍ وعملٍ فيها محسوب، كد على العيال، علم وعمل وصلوات، كلها عبادة لله، وكلها أشجار تنمو وتثمر في الآخرة، و"نعمَ العون الدنيا على الآخرة". 

كانت سنةً فانتهت وهذه أخرى بدأت، تبادلنا في نهايتها التَّهاني والتَّبريكات، فماذا عن إحصاء الأرباحِ والخسائر؟ كم قالب ثلج بعنا؟ وكم قالب ثلجٍ عادَ ماء؟ على أن الماءَ يعود إلى صلابته وبرودته في مدَّةٍ قصيرة، فكيف بعمري وأعماركم هل تعود؟ هيهات هيهات!

جاءني من الأصدقاء الخلَّص كثيرٌ من الرَّسائل الطيِّبة في هذه الفترة، وهذا كان لطًفا منهم. إلا أن كل سنةٍ تمر تشعرني بالرهبة وأنا في ذلك القالب "ما بين الستِّين إلى السَّبعين معترك المنايا"، ما لم أضع خطةَ عملٍ لما علمَ الله كم بقيَ لي من دقائق وثواني!

في كلِّ الأحوال، أرجو أن يكونَ في كل يومٍ يمر يزداد حصادنا - جميعًا - وفرةً ونماء، وأن يغلبَ الخيرُ فينا الشرَّ، وأن يكون أجمل أيامنا أواخرها. وأن ننظر نظرةً فاحصةً لاستكشاف الآتي والتخطيط له!

مستشار أعلى هندسة بترول