آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

الانطباع الإعلامي

المهندس أمير الصالح *

قرأت في صحف عدة وشاهدت مقاطع فيديو عديدة توجيه اللوم والنقد اللاذع للصينيين حيثما تواجدوا في أرجاء العالم بعد انفجار أزمة جائحة كورونا والمنسوب أن مصدرها دولة الصين بسبب العادات الغذائية المقززة للبعض منهم. وأضحى المواطن الصيني العادي والكادح على لقمة عيشه والمسالم محل اتهام ونبذ من قبل جمهور كبير من بسطاء كل شعوب العالم والمتأثرين بما رأوه إعلاميا من طباع بعض الصينيين في التهام أطباق طعام مقززة للنفس فجرت الجائحة. وبعد مرور أكثر من سنتين من اندلاع الجائحة ما زال البعض يوجه أصابع الاتهام إلى كل الصينيين في التسبب بحدوث مرض كورونا لسلوك بعض منهم و”الهياط“ في الأكل المقزز الذي يراه الناس في مقاطع فيديو منشورة على اليوتيوب.

وهنا أود أن أسجل جملة اعتراضية: عندما أتكلم عن الصينيين بدافع الإنسانية فإني أيضا استحضر حال المسلمين الصينيين «الإيغور» بدافع الإنسانية والمشترك العقائدي وأسجل ندائي عبر هذا المقال للجهات المسؤولة في دولة الصين بأن لا يفرطوا في استخدام العنف مع الإيغور ويتجنبوا صهرهم بالعنف وتشتيتهم. فكما رأيته من أفلام وثائقية عما تعرض له الإيغور يجعل درجات النبذ والنفور التي يتعرض لها الصينيون بسبب المعاير بالتسبب في الجائحة أقل درجات الإذلال. مجتمع الأويغور المسلم مكون وطني في بلاده ويجب صيانة حقوقه بكل أطيافها وحفظ هويته وعدم المس بكرامته. انتهت الجملة الاعتراضية.

وقبل أيام فقط، أنتشر مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوثق تعرض رجل كندي وزوجته الصينية الأصل والكندية الجنسية لتنمر وهجوم لفظي عنصري لاذع وجارح من مواطنتهم الكندية من أصول أوروبية بسبب تبعات الجائحة [1] [2] . وشخصيا استنكر هذا الهتك لكرامة أي إنسان بغض النظر عن عرقه أو أصوله أو أفعال بعض أفراد مجتمعه. فالتعميم في الحكم على مجتمع كامل بجريرة أحد أو بعض أفراده مخالف للحق والحكمة والصواب. وقد شاهدت أشباه ذات الحدث من التنمر المماثل وقعت على عدد ليس بالبسيط من الصينيين في عدة دول مختلفة وفي أوقات زمنية متفاوتة منذ أن برزت الجائحة.

هذا الحدث الذي وقع في كندا وطريقة تعامل البعض مع البعض الآخر بالإجمال يستدعي استنطاق واستحضار دروس وعبر عدة لذوي كل ذهن متوقد في أي مجتمع واعي. ولعل من أحد دلالات تداعي بعض الكوارث الصحية أو الاقتصادية أو غيرهما، هو تفاعل الناس حول العالم مع قضايا أي مجتمع بناء على الانطباعات التي يخلقها بعض ابناء ذات المجتمع أو العرق أو أبناء ذات الوطن عن مجتمعهم في أذهان الشعوب الأخرى من خلال ما يبثونه وينشرونه من مقاطع الفيديو عبر فضاء وسائل التواصل الاجتماعي الفاعلة.

بعض الصينيون ”المهايطية“ في وسائط التواصل الاجتماعي روجوا صور شبه نمطية حول العالم عن مجتمعاتهم وطرق تناولهم لأطعمة غريبة ومقززة. وكان الانطباع عالميا هو أن الإنسان الصيني في وطنه يأكل كل شيء على وجه البسيطة من حشرات وحيوانات وأشجار وطيور وأسماك ودواب وخفافيش. وبسبب قساوة تبعات جائحة الكورونا على الكثير من شعوب العالم وما أحدثته من توقف للحياة العامة وانهيارات اقتصادية لبعض الأسر وفقدان أعزاء، فقد رفع بعض المحللون للأخبار العتب واللوم عن بسطاء الناس في أرجاء المعمورة عندما نفروا وينفرون من الصينيين المتهمين بأنهم هم من تسبب في اندلاع الجائحة. وكل ذلك نتيجة لما تركت الصور والمقاطع المنشورة من قبل سفهاء أبناء مجتمعهم عن تصرفات رعناء وطيش حمقى وسلوكيات غريبة مثل أكل الخفافيش في خلق انطباع معين أدى إلى انفجار غضب شعبي عالمي في وجه أي إنسان ذو ملامح صينية.

على الضفة الأخرى ومع شديد الأسف، عدد ليس بالقليل من الناشطين في عالم السوشيال ميديا في الوطن العربي لا سيما بعض دول الخليج روج ويروج صورة غير دقيقة وانطباع مغالط عن عموم أبناء وطنه. والصورة الأكثر ترويجا عن الإنسان الخليجي في الصحف الأجنبية الغربية هو أن الإنسان الخليجي ذو ثراء فاحش وأبله وسفيه. وما عزز هذا الادعاء، أن بعض مشاهير السوشيال ميديا الخليجيون بدافع البحث عن الشهرة السريعة كرروا إرسال ذات الصورة وزادوا البهارات عليها وإعطاء انطباع أن الخليجي شديد الثراء، محب لإشباع النزوات، وشديد الإسراف للأموال على الملذات في ذات الوقت. وهذا يعضد للصورة التي روجتها بعض الصحف الاجنبية سابقا ومن باب «و شهد شاهدا من أهلها». فلك أن تتخيل أن يوظف البعض من أبناء ذات المجتمع خبر مثل:

1 - أغلي سيارة تُصدر لإنسان خليجي، و

2 - أغلى دورة مياه «حمام» تُصنع من الذهب الخالص وتُركب لإنسان خليجي و

3 - أغلى حيوان سعرا في كوكب الأرض يبتاعه إنسان خليجي، و

4 - أغلى هاتف خلوي يتم صناعته وتوريده لإنسان خليجي، و

5 - أغلى ساندويتش همبرجر يتم تحضيره وهو ملفوف بورق الذهب الخالص ويُباع في مطعم خليجي

لذات الدعاية المغلوطة. كل هذا وذاك ونحن لا نعلم بكامل الأخبار ولا كل ما قيل وكُتب ونُشر في الصحف العالمية عنا لتعزيز تنميط صورة إنسان هذه المنطقة في مخيلة العالم. حتما هذه الصور تولد الانطباع المغلوط في ذهنية الشعوب الأخرى، لأنه ليس كل الخليجيون يعيشون في مستوى معيشي واحد. وحتما عانى الكثير من الخليجيين الكادحين عندما سافروا للخارج من هذا الانطباع غير الدقيق لأنهم يكونوا ضحية الغش والجشع والتدليس في الأسعار. كما أن الكثير من المسلمين عانى وما زال يعاني من تنميط صورة المسلم إعلاميا في أذهان الشعوب الأخرى بأنه إرهابي أو مشروع للإرهاب. ولم يؤخذ بأيدي أولئك المروجين لهذه الصورة العدائية فما زال الإعلام المعادي يلطخ ويشوه صورة أتباع الدين الإسلامي ليل نهار.

لك أن تتخيل لا سامح الله إذا تعثر أو سُرق أي أنسان خليجي ماله وهو خارج بلاده، فإن معظم بسطاء الناس في تلكم الدول والعالم الخارجي لن يتعاطفوا مع الضحية الخليجي وإن كان صادقا. بل سيتهمونه بأنه يستحق ما وقع عليه من إفلاس وضياع المال لأن انطباعهم أن الخليجيون لم يرشدوا ولم يحسنوا توظيف المال وأسرفوا في إنفاقه في إرضاء النزوات وحب الشهرة، اًو هكذا يقولون. انعدام التعاطف ذاك نتيجة حتمية للانطباع الإعلامي الذي صنعه بعض سفهاء السوشيال ميديا عن مجتمعاتهم. واللوم الحقيقي في خلق تلكم الصورة من المفترض توجيهه نحو من روج ونمط الصورة العامة لمجتمعه وحجب كشف الواقع المتوازن إن كان ولا بد أن يغرد. حتما لا نعفي أي شخص في أي مجتمع من تحميل وزر عمل صدر من إنسان على إنسان آخر. وحتما يقع على أي شخص حول العالم يدعي الثقافة والوعي، المسؤولية التامة عما يصدره من أحكام أو اتهامات أو تعاملات نحو الآخرين.

هنا أحببت أن أتوجه بكلمة اخوية للمغردين و”اليوتيبر“ وناشري مشاركتهم في التوك توك والانستجرام و”السنابر“ بأن لا يخلقوا أو يساهموا في إعطاء صورة مشوشة أو سفيهة عن مجتمعاتهم. فإن من يريد أن يكسب أكبر عدد من المتابعين في التطبيقات الاجتماعية عليه أن يسلك طرق أخرى وأن يتجنب التفريط والافراط في حقوق الله وحقوق المجتمع أو الاستهزاء بهم. وهنا اشارك أحبتي المغردون إشارة أشار الله لها في الآية الكريمة:

سورة الزمر، آية 56، صفحة 464

﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ.

في المقابل الانطباع الجميل والجيد عن أي مجتمع أو أبناء أي وطن أو إقليم سيجد صداه. ومع الوقت يفرض ذاك الانطباع نفسه حيثما تواجد أفراد من اولئك القوم وحيثما ذهبوا أو سافروا أو عملوا أو درسوا، فإنهم محل احترام وتوقير وتبجيل.

يوم أمس وصل أرض المملكة يوتيوبر نشط في مجال التعليم والتسجيل في الجامعات الغربية والتدريب، فكان التفاعل مع شخصه الكريم بعد إعلان وصوله ما ينم عن محبة عدد غفير من الناس له لجميل المحتوى والعطاء الذي يصنعه في اليوتيوب.

الجدير ذكره هنا أن ”اليوتيوبر“ المشار إليه هو إثيوبي الأصل وسعودي المولد وماليزي التعليم وكندي الجنسية، إلا أنه بجميل ما صنعه من محتوى ومساهمة في رفع التحصيل العلمي، حصد حب عدد كبير من الناس والمتابعين في كامل الوطن العربي. فرجاء دعونا نتذكر جميعا أن مردود الانطباع الإعلامي على بعض المجتمعات نابع من مشاهداتهم له من خلال المحتوى المنشور من أبنائه. وهنا نتذكر الاية الكريمة قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضَاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ الأَنعًامِ: 129. فلطفا جميع المغردين المشهورين وغير المشهورين من اليوتيوبر والسنابر والتيك توك ومستخدمي الفيس بوك كونوا أكثر مسؤولية أمام الله والمجتمع فيما تنشرونه من محتوى عن مجتمعاتكم وأظهروا محاسن المجتمع بالقدر المستطاع.