آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:45 م

الدّنيا أخ!

المهندس هلال حسن الوحيد *

عندما تشتعل الدّنيا نارًا هناكَ إطفائي حريق اسمه الأخ، وإذا هبَّت الرِّياحُ عصِيَّة على الترويض فهناك دارًا وملجأً اسمه الأخ! الدّنيا برد هو دثار، الدّنيا حرّ هو ظلٌّ ظليل، الدّنيا جفاف هو واحة يحوطها ماءٌ غزير! أي نعم، من الأصدقاء من هو وفيّ ورائع، إلا أنَّ الذي سكنَ بطنَ أمي وارتقى كتفَ أبي، فذاك أكبر من صديق!

توفي الشَّريف الرضيّ رحمه الله في المحرَّم من سنةِ أربع وأربعمائة، ومضى أخوه المرتضى من جزعهِ عليه إلى مشهدِ الإمام موسى بن جعفر عليهما السَّلام، لأنه لم يستطع أن ينظرَ إلى تابوته ودفنه. ورثاه في الأبياتِ المشهورة التي من جملتها:

يا للرجالِ لفجعةٍ جذمَت يدي ووددتُ لو ذهبت عليّ برأسي

ما زلتُ أحذرُ وقعها حتّى أتت فحسوتُها في بعضِ ما أنا حاسي

ومطلتها زمنًا فلمَّا صمَّمت لم يجدني مطلي وطولٌ مكاسي

لا تنكروا من فيضِ دمعي عبرةً فالدمعُ غير مساعدٍ ومواسي

للَّه عمركَ من قصيرٍ طاهرٍ ولربّ عمرٍ طالَ بالأدناسِ

أخاكَ أخاكَ إنَّ من لا أخاً له ** كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سلاحِ! قد تغرك الأيَّام وتغريك بأن تتعرى وتستغني عن هذا السِّلاح، فحذارِ أن تفعل، فمن ليس عنده سلاح تأكله الذئاب. وإذا قلتَ «ربَّ أخٍ لك لم تلده أمك»، أنعم وأكرم به من أخ، لكن ذلك الذي ولدته أمي ألف مرحبًا به!

‏قيل لأعرابي ماتت زوجتك، قال: جُدِّدَ فراشي قالوا: ماتَ ولدك، قال: عظم أجري قالوا: ماتَ أخوك، قال: قُصم ظهري. كيف لا؟ ونبي الله موسى القويّ الأمين شدَّ أزره وظهره بأخيه هارون عليهما السَّلام ﴿هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وعندما تحدث موسى مع أخيه - هارون - وهو في فورةِ الغضب، يصرخ في وجهه، آخذًا برأسهِ ولحيته يجره إليه، من أجلِ أن يهدأ وتبرد فورته قال له هارون: ”يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي“، أنتَ أخي.. أنتَ حبيبي.. أنا أخوك، ثم بعدها أخبره ما جرى!

العجيب أن هذه المشاعر تختلط عند بعض النَّاس، فيومًا نقرأ عن أخٍ مات بعد أخيه بأيام أو أسابيع حزنًا عليه، ويومًا آخر نقرأ عن خلافٍ بين أخٍ وأخيه من أجلِ مالٍ أو امرأة، أو فقط لأنهم أبناءُ ضرات!

«وأما حقّ أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها. فلا تتخذه سلاحًا على معصيةِ الله، ولا عدَّة للظلم لخلق الله. ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه، والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والإقبال عليه في الله، فإن انقاد لربه، وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن الله آثر عندك، وأكرم عليك منه».. الإمام عليّ بن الحسين .

مستشار أعلى هندسة بترول