دللوا صغاركم.. النبيّ (ص) يدلل الحسنَ والحسين!
دللوا صغاركم، دللوهم وعاملوهم برقَّة، دلِّعوهم ولاطِفوهم. حتمًا يعتنون بكم عندما تكبرون ويذكرونكم عندما تغيبون تحتَ الأرض! كان رسول الله صلى اللهُ عليهِ وآله يدلل الحسنَ والحسين عليهما السَّلام. تقولون: هو نبيّ وهما إمامان؟! إذًا، أين قول الله تعالى ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾؟
يصلي ويرتقي الحسنُ على ظهره ورقبته فيرفعه رفعًا رفيقًا، إذا سجدَ جاءَ الحسينُ فركبَ ظهره ثم حرَّك رجليه وقال: حل حل، فإذا أراد أن يرفعَ رأسه أخذه فوضعه إلى جانبهِ فإذا سجدَ عادَ على ظهرهِ وقال: حل حل، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغَ من صلاته، يقبل الحسنَ فقال الأقرع ابن حابس: إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ أحدًا منهم فقال له: ”من لا يرحم لا يرحم“. أجزم أنه لا أحد يستطيع أن يعدّ المواقف التي أظهر النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وآله حبه الفريد الرَّائع - الرساليّ والأبوي - لسِبطيه، الحسن والحسين عليهما السَّلام، فلا مجال لمعترضٍ أن يعترض.
أنا واحدٌ من هؤلاء الذين عندهم عاطفة رخوة للصغار، وعلى الخصوص البنيَّات منهم. البنيَّات حبَّات العين ونياط القلب:
لَوْلَا بنياتٍ كزغبِ القطا... رددنَ من بعضٍ إِلَى بعضِ
لَكَانَ لي مُضْطَربٌ وَاسعٌ... فِي الأَرْضِ ذَاتِ الطولِ والْعرضِ
أكملت ”ليان“ العصفورة الصغيرة معنا سنتها الأولى، وها هي تكبر وتمشي. تعلقت بي ليان وتعلقتُ بها مثل ما يعلق السمكُ الصَّغير في الصِنَّارة. عندما تسمع صوتي أو ترى ظلي من بعيد، تبكي ولا يريحها إلا كتفي، ترتقيه وتظنّ أنها ارتقت السَّماءَ فوق أجملِ الأحصنة في أقلّ من مترين.
ثقلت قليلًا الآن، بعد أن كنتُ أحملها مثل الريشة، وقويت بعد أن كانت لا تمسك بشيء. الفارق بين عمري وعمر ليان أكثر من ستِّين سنة، فعندما تكون ليان في العشرين من عمرها أنا قلتُ مرحبًا للثمانين عامًا - إن بقيتُ لذلك الزمن - أتمنى أن أكون قادرًا أن أرفعها عن الأرض مثلما رفعتها عندما كانت صغيرة.
ليان تكبر ثم لا نعود نراها كلَّ صباح بعد هذه الصَّداقة والمحبة! ليان العصفورة.. ليان الحمامة، ساعة أجلس فوق الكرسي تنط في حضني ثم تنط منه، لا تحب إلا الوقوف والحركة وتصر أن نمشي خطوات في الحوش، تحت الشَّمس!
صغاركم، صغاركم! أحلى الفواكه التي تأتي متأخرةً عن مواسمها، أحلى الأيام أيام الحصاد، وأحلى الأقمار أقمار نهايات الشهور.
