آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:57 ص

الرِّزق والحياة.. من طلع من داره زادَ مقداره!

حصلَ أحدُ الأصدقاءِ الشَّباب منذ سنوات على شهادة من جامعة محترمة في أحدِ تخصصات الهندسة وبدأ العملَ الأول له مع مؤسسة أهليَّة في مدينةِ الجبيل، التطور محدود وفرصة التَّقدم هزيلة والعوض الماديّ متواضع. الآن، حصلَ على فرصةٍ أفضل مع إحدى الشَّركات الكبيرة في مدينة الرِّياض على أن يبدأَ العمل بعد أيَّام. وفي أثناء تقييمه للعرض ظهرت اعتراضات من عدَّة أفراد من العائلة على أن الرِّياض غربة ومدينة بعيدة!

ورثنا من الأجدادِ مقولات عفا عليها الزَّمان، اترك البحر وأهواله واطلب الرِّزق في السِّيف.. وأكل كسيرةٍ في كسرِ بيتي أحبّ إليَّ من أكلِ الرغيف.. من طلع من داره قلّ مقداره، كلها مقولات ظرفيَّة آنيَّة لا تخضع لتحولات الزَّمان ودوراتِ الاقتصاد، ثمَّ فهمناها خطأ. منذ القديم ما ظفرَ إلا من صبر، ما خابَ من ركبَ المصاعب والمطايا، وفازَ باللَّذاتِ من كانَ جسورا. والجالسون وإن نجحوا، فهم كان في متناولهم النَّجاح الأكبر بعد الخروج والمغامرة!

لا أدري إن كانت تحتاج إلى فلسفة! الأسماك الكبيرة في البحرِ الواسع والفرص الوظيفيَّة والتجاريَّة في المدنِ الواسعة التي تحتاج مختلف الخبرات والشَّهادات، ولم تعد المسافات تقاس بالفراسِخ والأميال! أصبحَ العالم كله مدينة واحدة يمكننا أن ننتقلَ من مدينةٍ إلى أبعد مدينة في ساعات، ولم تترك وسائطُ الاتِّصال الحديثة مجالًا للشكوى من وحشةِ الغربة.

المكتوب على الجبين تراه العين، لا يعلم الإنسان من أين يأتيه النَّجاح إلا أنَّ المشي والحركة باب أوسع للنجاح من الركودِ والجلوس. ”هو الذي جعلَ لكم الأرضَ ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور“، جعلَ الأرضَ مطاوعةً منقادةً لنا وسهلةَ الركوب لكي نستقرَّ على ظهرها ونمشي فوقها، نأكل من رزقِ الله الذي قدَّره وقضاهُ لنا.

سنَّة الحياة أن يتعلم الإنسانُ من التجارب، وحكايات النَّجاح بعد الانتقال من مكانٍ إلى آخر ومن عملٍ إلى آخر لا تحتاج لمن يحكيها، ولا يجب أن لا يخافَ ويهاب النَّجاح من يغامر، المغامرة ليست مقامرة! الفرصُ في البحر.. المجهولُ في البحر.. لذَّة المغامرة في البحر.. كنوزُ الله في البحر، وقد عرفنا الكثيرين ممن كانت لديهم الشَّجاعة، نجحوا وصارت أحوالهم المادِّية أرغد وخبرتهم في الحياة أشدّ وأقوى.

مستشار أعلى هندسة بترول