آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 8:57 ص

الإمام الهادي (ع) يسأل: أينَ الأساورَ والتِّيجان والحُلَلُ؟!

باللهِ عليكم: هل ترونَ فرقًا بين الترابِ المتحوّل من جسدِ الفقير والغنيّ؟ السيِّد والمسود؟ وغيرهم من الأضداد؟ كأني أسمعكم قلتم وبصوتٍ عالٍ: لا، كلهم سواسية! يُحكى أن رجلًا مرَّ برجلٍ جالس في مقبرة، بين يديه عظام وجماجم بالية يقلبها. تعجب الرَّجل وسأله: ماذا تفعل بهذه العظام البالية؟ قال: أنا قضيتُ زمنًا طويلًا، أقلِّب هذه الجماجم والعظام ولا أجد فرقًا بين أصحابها! كانت الأجساد تُعرف في الحياةِ بترفِ ونعومةِ الخدود، والأساور والثِّياب المختلفة الألوان والأشكال، وفي القبرِ - كانت - أكفانًا ثم صارت أسمالًا بالية!

أُجْلُ عَنْ وَجْهِكَ الغُبَارَ بِرِفْقٍ... فَهْوَ خَذٌّ لِكَاعِبٍ حَسْنَاءِ

الله أعلم، الخدّ الأشيب المتجعد بمن يختلط، أي خدّ؟ امرأة حسناء.. شابّ وسيم، أم غير ذلك؟ حقيقة لا مفرَّ منها ”منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى“، فذلك التراب يضم الفقيرَ والغنيّ، الجميلَ والقبيح، والقاتلَ والقتيل!

أرجوا واطلبوا من اللهِ أن يُحسن عواقبَكم، هذه الخُدود التي تتصعّر، تميلُ تيهًا وكبرًا وإعجابًا، والأيدي والأرجل التي تتقاتل، كلها تختلط وتعود ذرات تراب. إنَّ أقربَ شيءٍ من جسدِ الإنسانِ الموت وأبعد شيء عن فكرة الموت. عن عليّ بن أبي طالب «عليه السَّلام»: إنَّ حقيقةَ السَّعادة أن يُختم للمرءِ عمله بالسَّعادة، وإنَّ حقيقةَ الشَّقاء أن يُختم للمرءِ عمله بالشَّقاء. ويقول المسيح «عليه السَّلام»: إن النَّاسَ يقولون: إنَّ البناءَ بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك، قالوا: فماذا تقول يا روحَ الله؟ قال: بحقٍّ أقولُ لكم: إنَّ آخرَ حجرٍ يضعه العاملُ هو الأساس.

تأملوا، هنا الفرق يكون بين القوسين: رجعَ الإمامُ عليُّ بن أبي طالب «عليه السَّلام» من صفين، فأَشرفَ على القبور بظاهرِ الكوفة: يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ، يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لاَحِقٌ. أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ. هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفتَ إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ ﴿خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى .

وهو الذي «عليه السَّلام» - إذا صلى العشاءَ الآخرة ينادي النَّاسَ ثلاثَ مرَّات حتى يسمع أهلُ المسجد -: أيها النَّاس تجهزوا رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرَّحيل، فما التعرج على الدّنيا بعد نداءٍ فيها بالرحيل؟! تجهزوا رحمكم الله، وانتقلوا بأفضلِ ما بحضرتكم من الزادِ وهو التقوى.

باتوا على قُلَلِ الأجبالِ تحرسهم ** غلبُ الرِّجالِ فلم تنفعهم القُلَلُ

واستنزلوا بعدَ عزٍّ من معاقلهم ** وأسكنوا حفرًا يا بئسَ ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعدِ دفنهمُ ** أينَ الأساورَ والتِّيجان والحُلَلُ؟

أينَ الوجوه التي كانت منعمَّةً ** من دونها تُضربُ الأستارُ والكِلَلُ؟

فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساءلهم ** تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ تَقتَتِلُ

قد طالَ ما أكلوا دهرًا وقد شربوا ** وأصبحوا اليومَ بعد الأكلِ قد أُكِلوا

الإمام عليّ الهادي

مستشار أعلى هندسة بترول