آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 1:23 ص

استشهاد السيدة زينب (ع) بالآي القرآني

قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ آلَّذِينَ أَسَُٰٔواْ آلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِ آللَّهِ وَ كانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ﴿الروم الآية 10.

لا يمكن الحديث حول جنبات العظمة والسمو في شخصية السيدة زينب دون التعريج بروح التأمل والبحث في خطابها، والذي يصنفها في أعلى درجات البلاغة والفصاحة كما أشاد بذلك كبار الأدباء ممن تناولوا في حديثهم بلاغات نساء العرب، والباب مفتوح لكل من يمتلك أدوات المعرفة والأساليب الأدبية ليسلطها على ذلك الخطاب فيستخرج بعضا من اللآليء المكنونة في صدفات أسطرها وحروفها.

الخطاب الزينبي الارتجالي في الشام ما كان ليجيء بهذه الدرجة من القوة والجزالة لولا أن الملقي يمتلك مخزونا معرفيا وأدبيا متنوعا، وظف فيه كل الأساليب الأدبية للوصول إلى غايته وهو طرح القضية التي يحملها وبيان أبعادها، وصولا إلى حالة الإقناع لمن يملك فكرا واعيا يعيد من خلاله حساباته بناء على هذه المعطيات التي قدمتها الحوراء زينب ، والهدف الآخر هو إلقاء الحجة وقطع حجة المموهين والمتلونين ممن يحاولون تغيير الحقائق.

من الأساليب الخطابية البارعة هو الاستشهاد بالآيات القرآنية لما تحمله من معنى واف وواضح مع اختصار رائع، وهذا الاستشهاد يحتاج إلى معرفة بمعنى الآية لتطبيقه على الواقع أو الحدث المعين، والحوراء زينب سليلة الدوحة المحمدية قد أشربت روحها مضامين الآيات القرآنية فهما ومعرفة بحقائقها وبطونها، فلا يخفى عليها توصيف الواقع الذي عاشته مع أولئك المنسلخين من الإنسانية وتبيين العوامل المؤدية لارتكابهم تلك الفاجعة الأليمة، من خلال التوصيف الإلهي لمن انغمسوا في الشهوات فساروا خلف أهوائهم، وإذا عميت البصيرة واستحوذ الشيطان الرجيم على فكر وحركة الإنسان يمكنه حينئذ أن يسيره ويتحكم فيه كيف يشاء، وفاجعة كربلاء والإقدام على قتل سبط رسول الله ﷺ من قبل هؤلاء أمر محير، إذ أن هناك الكثير من جيش الأعداء ممن لهم معرفة بمكانة الإمام الحسين الدينية والاجتماعية، فكيف يستقيم هذا الأمر من المعرفة به مع الإقدام على قتله وهو سيد شباب أهل الجنة، ولذا لجأت الحوراء زينب في بيان الحقيقة وابتدأت بذكر العوامل المؤدية لارتكاب هذه الجريمة من خلال الاستشهاد بما يجلي الصورة من خلال أصدق الكلام وهو كتاب الله عز وجل، فما هو ذلك العامل الذي أدى بهؤلاء الذئاب البشرية ومن انتزعت الرحمة من قلوبهم للانحدار والتسافل إلى هذا المستوى من التفسخ الأخلاقي؟

الآية الكريمة تتحدث عن أثر الاسترسال في ارتكاب الذنوب دون التوقف عند محطة محاسبة النفس والحديث مع النفس حول التوبة والرجوع إلى الله تعالى، بأن النفس حينئذ تظلم من كل خير وصلاح ويقسو القلب ويتجرأ العاصي على ارتكاب مختلف الذنوب؛ لأنه لا يمتلك حينها ما يلجم نفسه المنغمسة في الشهوات وفقدت عقال العقل الواعي الرادع عن التهاوي إلى مستنقع المعاصي، فيصبح العاصي المتجريء في حاله كالمجنون الذي لا يعقل ما يفعل ولا يدرك عواقب الأمور، وكيف يتصور منه أن يردع نفسه من التجاوز والاعتداء على الناس وهو لا يخاف من عقوبة جبار السموات والأرض وما أعده للعصاة من عذاب أليم؟

التمادي والاسترسال في ارتكاب الآثام لا يتوقف عند انتهاك محارم الله تعالى ومقارفة المساويء الأخلاقية، بل يصل الأمر إلى التكذيب بكتاب الله تعالى الناطق بالعقوبات الأخروية لمن يرتكب الأعمال السيئة، وكأن هذا المسلم بلسانه يكذب بيوم الدين عمليا بارتكاب المخالفات الشرعية المستوجبة للعقوبة، كما أشارت سورة الماعون المباركة لذلك بذكر صفات المكذبين بيوم الدين، وهذه الصفات: يدع اليتيم، ولا يحض المسكين …، وكذلك ارتكاب الذنوب دون أن يحدث المرء نفسه بتوبة نصوح فهو يستهزيء بآيات الله وأحكامه وكمن يكذب بيوم القيامة.

الحوراء زينب تؤكد على حقيقة ما جرى في الطف من أنها جريمة معد لها ولم تأت صدفة أو على حين غفلة، بل كانت هذه الجريمة وليدة انغماس هؤلاء في الشهوات وتسلسل ارتكابهم للمعاصي، هذا التمادي في ارتكاب السيئات أودى بهم إلى الانحراف العقائدي، وذلك بتكذيب صوت الوحي الإلهي الذي صدح به الرسول الأكرم، من التأكيد على مودة أهل البيت وإجلالهم وحفظ أجر الرسالة بتجنب وصول أي أذى لهم، ولكن هؤلاء العصاة أغرتهم الدنيا وانتهكوا حرمات الله تعالى.