آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

إلى جنان الخلد يا ريحة الجنة

عباس سالم

الجنة تحت أقدام الأمهات وإن فقد الأم هو من أعظم الفواجع التي تفجع بها العائلة وبالخصوصالأبناء، لأنها نبع الحنان والأمان لهم، والروح الحقيقية لكل بيت وجماله وأساس كل شيء فيه، فهي من تعطي دون أن تنتظر المقابل وهي من تداوي الجروح والآلام وتسهر على راحتنا في عز مرضها.

يبدوا أن البحث عن الجنة بعد رحيل الأم لن يتحقق إلا بالعمل الصالح، وفراق الأم يعد من أشد الأحزان التي يمر بها الأبناء، فأي حزن غير حزن فراقك يا أمي، وأي مصاب جلل غير مصاب يوم وداعك، ولا بدا لنا إلا الإيمان بالقضاء والقدر، وإن الموت حق لكنه لا يترك لنا سوى حزن في القلب ودمع العين واسترجاع كل الذكريات الجميلة للأم الحنونة التي رحلت عنا وغاب معها جمال ولحن الحياة لفراقها.

في ليلة الأربعاء الموافق 2022/03/09 ذهبت لزيارتك كما هي العادة وجلسنا نتبادل شريط الذكريات وأنت تبتسمين، لكنني لم أكن أعلم أنها الأخيرة التي أزورك فيها، ففي صبيحة يوم الجمعة التحفني الوجع عندما فتحت جوالي كما هي عادتي التي أمروا فيها بنظرة سريعة على الأصدقاء لأرى تحياتهم الصباحية التي تتزين بها شاشات جوالاتنا، لكن شاشة جوالي تزينت صباح ذلك اليوم بكم هائل من المكالمات التي أرادت إخباري بفاجعة رحيلك من هذه الدنيا الفانية.

لم أكن أعلم أن فجر الجمعة لن يبزغ وانت ليس على سريركِ الأبيض بنتظار مروري عليك لأقبل جبينك الطاهر، لم أكن أعلم أن كلمة مع السلامة هي آخر كلمة كانت تلامس شفتيك الطاهرة عندما كنت معك نثرثر ونذكر الأيام الجميلة في حياتك إلى أن انتهى وقت الزيارة فقبلت جبينك ودعوتي لي، ولم أكن أعلم بأن تلك الروح الطاهرة سوف تفارق ذلك الجسد الطاهر المتعب وأنا بعيدًا عنك، رحيلك أماه ترك في القلب حزنًا لن تمحوه الأيام ودموعًا لن تجف أبدا، أصبحت أتجرع الأسى على فراقك وأنا بعيدًا عنك لا أسمع تلك الشفتين وهي تردد ذكر الأئمة الأطهار .

أماه لقد رحلتي عنا سريعاً مع تسليمنا بأن الموت حق على كل إنسان إلّا أنّه مفجع ويترك ألماً وحسرة لا يمحى مع الزمن، ولا نملك إلا التسليم بقضاء الله وقدره، اطمئني يا أمي فأنت في ضيافة من ذكرهم لا يغيب عن لسانك وستأنستي بالخدمة في مجالسهم فهم لن ينسوك في هذا اليوم، ونحن برحيلك مسَّلِمون وإلى الله تعالى محتسبون، كنت ترسمين الابتسامة على محياكي الطاهر وأنت على السرير الأبيض بمجرد أن تري وجوهنا أمامك بالرغم من الألم الذي تشعرين به.

الموت حق مطلق في هذه الحياة، لكنه لم يكُن شيئاً عابراً في حياة الإنسان فينساه، وعندما غيّب الموت الوالدة المؤمنة في شهر شعبان وهو شهر رسول الله ﷺ لم يكُن حلماً عابراً، دمعت عيناي برحيلك دون أن أكون جنبك أتزود من وجهك الذي يشع نور، فسجدت أدعو الله تعالى لك بالمغفرة والرضوان، واسأله أن يدخلك في جنان الخلد مع من أحببتيهم بحضورك الدائم في مجالسهم لمواساة سيدة نساء العالمين ”فاطمة الزهراء“ .

ختامًا إن الجنة التي أبحث عنها كانت تحت أقدامك يا أمي، لكن البحث عنها لن يكون سهلا بعد رحيلك، رحمك الله أمي الحنونة وإلى روحك التحية والسلام، ولعائلة الرويعي وآل سالم ومحبيها الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.