آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 10:54 م

علي في يوم مقتله.. افرحوا له واحزنوا عليه!

في أعماق قلوبنا غبطة لعلي على هذه النهاية الرائعة والخروج المشرِّف من الدنيا! كم كان سيعيش؟ ألف سنة؟ ألفين؟ ثم ماذا لو مات غير هذه الموتة، موتًا ناعمًا هانئًا؟! يبتهج عليّ في ليلةٍ خرج منها من دنيا فاسدة إلى أخرى عامرة، بينما نحن نبكي عندما نموت لأننا نخرج من دنيا عامرة إلى دارٍ فاسدة بائسة، ومعطوبة!

احزنوا على أنفسكم وأنا معكم، لا تحزنوا عليه! في يوم موته يفرح من أعماق قلبه، يستأنس عليّ من أعماق قلبه. ذلك لأنه يرى ما لا نرى: والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه. بل اندمجتُ على مكنون علمٍ لو بحتُ به لاضطربتم اضطرابَ الأرشيةِ في الطوي البعيدة!

في يوم موته يفرح، لأن فراقه للنبيّ محمد صلى الله عليهِ وآله طال، وهما حبيبان اشتاق كلاهما لرؤية حبيبه، الآن يجتمعان. منذ وفاة رسول الله وهو يفتش عن تلك اللحظة التي يعقر فيها أشقى ثمود النَّاقة، ويخضب لحيته بدم رأسه!

يفرح لأنه لم يذق طعم الرَّاحة في الحياة يومًا: ”اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّوني، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُوني، فَأَبْدِلنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ، وأَبْدِلُهمْ بِي شَرَّاً مِنِّى“. تأملوا كم مرَّة اشتكى منهم، وفي شكايةٍ أخرى قال: ”فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقنّ بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قالٍ، وبكم غير كثير“. عليّ والبرم والضجر من الدنيا - التي ما استطاع أن يقوم فيها بما أراد دون عيبٍ أو عجزٍ فيه - توأمان لا ينفصلان. من يقرأ سيرته بعد وفاة النبي محمد يجدها ملأى بالشكوى والتضجر!

في الحادي والعشرين من شهر رمضان عادت روحُ عليّ واستقرَّ بها النوى مثل عودة الطائر المهاجر من غربته. المضروب الذي لا يرجو الشفاء، يخشى الموتَ ويخاف على المالِ والولد، وعليّ: والله ما فإني من الموتِ واردٌ كرهته ولا طالعّ أنكرته، وما كنت إلا كقاربِ ورد وطالبٍ وجد!

لكلِّ أجلٍ كتاب ولكلِّ تعبٍ نهاية! الحقّ أقول أن عليًّا استراح من تعب الدنيا ونصبها. بكى الحسن فسأله: يا بني يا حسن ما هذا البكاء؟ يا بنيّ لا روعَ على أبيك بعد اليوم، هذا جدك محمد المصطفى وخديجة وفاطمة والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب نفسًا وقر عينًا، واكفف عن البكاء فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء، يا بني أتجزع على أبيك وغدًا تقتل بعدي مسمومًا مظلومًا؟ ويقتل أخوك بالسيف هكذا، وتلحقان بجدِّكما وأبيكما وأمكما.

نطلب الحياةَ وعلي من صنفٍ آخر، استقر فيه اليقين لدرجة أننا نحتار في موته، نبكي أم نفرح! خرجَ علي يوم صفين وفي يده عنزة، فمر على سعيد بن قيس الهمداني، فقال له سعيد: أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب عدوك؟ فقال له علي: إنه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب، أو يخر عليه حائط، أو تصيبه آفة، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه.

هؤلاء هم خيرة الله من الصدِّيقين!

مستشار أعلى هندسة بترول