آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 10:54 م

حكاية السِلال!

أعطى حكيمٌ جماعةً سلالًا ليمتحنهم! قال لهم: خذوا وقتكم وعودوا بالسِلال مليئةً بما تجدون. لم يحدد لهم المهلة في ملء السِلال. أخذَ الجادّون يتحركون في كلِّ الجهات يملؤون السِلال بما وجدوا من نفائسِ الأشياء، فلم تمض إلا سويعات وامتلأت سِلالهم عن بكرةِ أبيها! الفرقة الثانية: تكاسلوا، لكنهم في نهاية المطاف وضعوا أشياءً في سلالهم، بعضها نافع، وبعضها حشو لا يفيد ولا يضر. أما الفرقة الثَّالثة فقالوا: ننام ونرتاح ثم نستيقظ ونملأ السلال، لكنهم ناموا ولم يستيقظوا حتى انتهى الوقت!

أظنّ أننا في زماننا هذا من الفرقة الثَّالثة، تقتلنا الخزائن والسِلال الفارغة، التي لا تضرّ ولا تنفع! نوم، تسلية، ”تواصل“ اجتماعي! سِلالٌ في ظاهرها شهيَّة وحلوة، لكنها تسرق الوقت من الأوعية الأخرى، وعلى الأخصّ من الأول، النافع!

كنتُ أشاهد بعض الصيَّادين، كيف يخاتل الصيَّاد طريدته، يخادعها ويمشي خلفها قليلًا قليلًا، حتى لا تحسّ به وتهرب، وكأنَّ الصيَّاد هو العمر ونحن الفرائس، يخاتلنا ويصطادنا دون أن ندري، فإذا وقعنا في الفخِّ انتبهنا ”النَّاس نيامٌ وإذا ماتوا انتبهوا“.

في الخبرِ النبويّ أنه يُفتح للعبد يوم القيامة على كلِّ يومٍ من أيَّام عمره أربعة وعشرون خزانة، بعدد ساعات اللَّيل والنَّهار. خزانة يجدها مملوءة نورًا وسرورًا فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزع على أهلِ النار لأدهشهم عن الإحساس بألمِ النار، وهي الساعة التي أطاع فيها ربَّه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمةً منتنةً مفزعة فيناله عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنَّة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربَّه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه وهي الساعة التي نامَ فيها أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا، فيناله من الغبنِ والأسف على فواتها حيث كان متمكنًا من أن يملاها حسنات ما لا يوصف، ومن هذا قوله تعالى: ﴿ذلك يوم التغابن.

”يا عيسى حقًّا أقول ما آمنت بي خليقةٌ إلا خشعت لي، وما خشعت لي إلا رجت ثوابي، فأشهدكَ أنها آمنة من عقابي ما لم تغيّر أو تبدّل سنتي. يا عيسى ابن البكرِ البتول ابكِ على نفسك بكاء من قد ودَّع الأهلَ وقلى الدنيا، وتركها لأهلها، وصارت رغبته فيما عند الله. يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام، وتفشي السلام، يقظان إذا نامت عيونُ الأبرار حذارًا للمعاد والزلازل الشداد، وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع أهلٌ ولا ولدٌ ولا مال“.

مستشار أعلى هندسة بترول