الجوع يطيِّب مذاقَ الطعام!
هل أكلتَ - القارئ الكريم - خبزةً أو طبقًا من الأرز الأبيض المفيوح دونَ إدام، وأنت جائع؟ أنا متأكد أن قطعة الخبز أو طبق الأرز الأبيض المغليّ في الماء القراح أشهى من وليمة لحمِ غزال على بطنٍ ممتلئ!
يحكى أن غنيًّا ذهب في رحلةِ سفر. حمل النقود والأكل الطيب والخدم، يأكل أجود الطعام في رحلته، حتى داهمهم لصوصٌ وسرقوا ما عندهم من الأكلِ والنقود والمتاع. سار ومن معه حتى وصلوا لحسن حظِّهم قريةً، جياعًا متعبين. استضافهم أهلُ القرية، وطبخوا لهم أرزًا نصف مغليّ في الماء. أكل الغنيّ بشهيَّة وهو يخاطب خادمه قائلًا: هذا أجود طعامٍ أكلته طول حياتي!
للجوع محاسن، لا أحد يشترط، ولا أحد يتضجر، الكل يأكل ويشكر الخالق. عندما تتعدد خيارات الطعام ويمتلئ البطن تتلاشى وتختفي اللذة. تصوروا معي هذه الحالة الحقيقيَّة: ابنة أربع سنوات تستيقظ من النوم، تسألها أمّها: ماذا ترغبين من أكل؟ الحبوب أم البيض؟ إذا اختارت البنتُ البيضَ، سألتها أمها: البيض مقليّ أم مشوي أم مغليّ؟ وإذا اختارت حبوبًا، سألتها: الحبوب الصفراء أم الملونة أم البنيَّة؟ ماذا يحصل عندما تكبر وتتزوج، ثمَّ ولا يستطيع زوجها أن يوفر لها كل هذه الخيارات؟
في سنوات الصغر، بعد ساعاتٍ من اللعب، تصبح المعدة فارغة تصدر أصواتًا وقرقرة، الطعام البسيط العاديّ جدًّا، تشعر أنَّ مذاقه أفضل من كافيار الأغنياءِ المترفين. قال عيسى 
- في مواعظه -: يا بني إسرائيل، لا تأكلوا حتى تجوعوا، وإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا؛ فإنكم إذا شبعتم غلظت رقابكم، وسمنت جنوبكم، ونسيتم ربَّكم.
جرِّب جوع نفسك ثم كل، سوف تأكل مثل حصانٍ مكدود، بشهيَّة ورغبة. قال الإمام علي لابنه الإمام الحسن : يا بني! ألا أعلمك أربعَ خصال تستغني بها عن الطبّ؟ فقال: بلى يا أميرَ المؤمنين، قال: لا تجلس على الطعام إلا وأنتَ جائع، ولا تقم عن الطعام إلا وأنتَ تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نمتَ فاعرض نفسكَ على الخلاء، فإذا استعملتَ هذا استغنيتَ عن الطبّ.
جميلٌ أن نتعرف ونتصالح مع الجوع - أحيانًا - ويتعرف صغارنا على الجوع دون الإضرار بهم. لا يفهم القارئ الكريم أن هذه دعوة لشدّ حزام الجوع والحرمان. هي دعوة للتعرف على لذَّة وشهيَّة الطعام عن طريق الجوع، كما يتعرف النعسان على لذة المنام!
النعم لا تدوم! كم ميزانية الأسر من وجباتِ المطاعم الجاهزة والمقاهي، وجبة فوق وجبة، على بطن مُمتلِئ؟!
