آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 10:28 م

تعرض الجنين المبكر للصوت في الرحم يشكِّل جهازه السمعي

عدنان أحمد الحاجي *

النمذجة الحوسبية تشير إلى أن البيئة الكاتمة للصوت في الرحم تهيئ قدرة الدماغ على تصنيف بعض أنواع الأصوات.

بقلم آن ترافتون

25 مايو 2022

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 152 لسنة 2022

Early sound exposure in the womb shapes the auditory system

Anne Trafton |

May 25,2022

داخل الرحم، تبدأ الأجنة في سماع بعض الأصوات في حوالي الأسبوع ال 20 من فترة الحمل. بيد أن المدخلات [الصوتية] التي يتعرضون لها تقتصر على الأصوات المنخفضة التردد بسبب تأثير السائل الأمنيوتي والأنسجة المحيطة في اخماد الصوت.

تشير دراسة جديدة[1]  بقيادة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن هذه المدخلات الحسية «الصوتية» الضعيفة مفيدة، وربما ضرورية، للتطور السمعي لدى الجنين. باستخدام نماذج حوسبية بسيطة للمعالجة السمعية لدى البشر، أثبت الباحثون أن قصر المدخلات الصوتية في البداية على أصوات منخفضة التردد حين تعلمت النماذج الحوسبية أداء مهام معينة أدى في الواقع إلى تحسين أداء تلك النماذج.

بالإضافة إلى دراسة سابقة من نفس الفريق، والتي أثبتت أن التعرض المبكر للوجوه الباهتة يحسن القدرة التعميمية اللاحقة لنماذج الكمبيوتر على التعرف على الوجوه، تشير النتائج إلى أن تلقي مدخلات حسية منخفضة الجودة قد يكون مهمًا لبعض جوانب تطور الدماغ.

”بدلاً من التفكير في الجودة الرديئة للمدخلات الحسية باعتبارها قيدًا تفرضه البيولوجيا علينا، هذا العمل البحثي اتخذ وجهة نظر مفادها أن الطبيعة ربما تكون ذكية وتعطينا نوع الزخم المناسب لتطوير الآليات التي أثبتت لاحقًا أنها مفيدة عندما يُطلب منا التعامل مع مهام التعرف الصعبة على الأشياء.“ يقول باوان سينها Pawan Sinha، بفسور الرؤية وعلم الأعصاب الحوسبي في قسم الدماغ والعلوم المعرفية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي قاد فريق البحث.

في الدراسة الجديدة، أثبت الباحثون أن تعريض نموذج حوسبي للجهاز السمعي البشري لنطاق كامل من الترددات منذ البداية أدى إلى سوء أداء تعميمي في المهام التي تتطلب استيعاب المعلومات على فترات زمنية طويلة - على سبيل المثال، التعرف على نوع المشاعر من مقطع صوتي. من منظور تطبيقي، تفيد النتائج إلى أن الأطفال المولودين قبل الأوان «الأطفال الخدج» قد يستفيدون من التعرض لأصوات منخفضة التردد لا من التعرض لطيف الترددات الكاملة التي يتعرضون لها الآن في وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة[2] ، كما يقول الباحثون.

ولوكاس ڤوغيلسانغ Marin Vogelsang Lukas ولوكاس ڤوغيلسانغ Vogelsang، وكلاهما طالبان في الوقتىالحالي في مدرسة الفنون التطبيقية الاتحادية في لوزان السويسرية EPFL Lausanne، وهما المؤلفان الرئيسان للدراسة المنشورة في مجلة العلوم التطورية Developmental Science. سيدني دياموند Sidney Diamond، طبيب مخ وأعصاب متقاعد، وهو الآن باحث تابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هو أيضًا آحد مؤلفي الورقة البحثية.

مدخلات منخفضة الجودة

منذ عدة سنوات، أصبح سينها وزملاؤه مهتمين بدراسة كيف تؤثر المدخلات الحسية منخفضة الجودة في التطور اللاحق للدماغ. أُثير هذا السؤال جزئيًا بعد أن أتيحت الفرصة للباحثين لمقابلة ودراسة صبي صغير ولد مصابًا بإعتام عدسة العين ولم يُزال هذا الاعتام إلّا بعد أن بلغ الرابعة من عمره.

هذا الصبي، الذي ولد في الصين، تبنته عائلة أمريكية لاحقًا وحُوِّل إلى مختبر سينها وهو في العاشرة من عمره. كشفت الدراسات أن بصره كان شبه طبيعي، مع استثناء بارز واحد: كان أداؤه ضعيفًا جدًا في التعرف على الوجوه. دراسات أخرى على الأطفال الذين ولدوا مكفوفي البصر كشفت عن عجز في التعرف على الوجوه بعد استعادتهم البصر.

افترض الباحثون أن هذا الضعف قد يكون نتيجة تفويتهم فرصة الاستفادة من بعض المدخلات البصرية منخفضة الجودة التي يتلقاها الرضع والأطفال الصغار [الأطفال الصغار هم من في عمر 4 - 8 سنوات] عادة. عندما يولد الأطفال، تكون حدة البصر[3]  لديهم ضعيفة جدًا - أي حوالي 20/800، أو ما يعادل 1/40، حيث تبلغ حدة الرؤية الطبيعية 20/20. ويرجع ذلك جزئيًا إلى كثافة التراص المنخفضة لمخاريط المستقبلات الضوئية في شبكية عين الطفل حديث الولادة، [المترجم: تقاس هذه الكثافة بعدد المخاريط في الملليمتر المربع وتتراوح في مركز ”النقيرة“ faveola[4]  إلى ما يصل إلى 150 ألف مخروط في الملليمتر المربع الواحد ولكنه ينخفض إلى 2500 مخروط في الملليمتر المربع الواحد على طرف الشبكية بالقرب من الحافة المشرشرة ora serrata5]. مع نمو الطفل، تصبح المستقبلات الضوئية أكثر كثافة وعليه تتحسن حدة البصر.

صورة الشبكية العين لدى البشر، بمخططات متراكبة توضح مواضع وأحجام البقعة الشبكية macula والنقرة fovea والنقيرة faveola والقرص البصري

النظرية التي اقترحناها هي أن هذه الفترة الأولية من الرؤية الضبابية أو الضعيفة مهمة جدًا. يقول سينها: ”لأن كل شيء ضبابي جدًا، يحتاج الدماغ إلى تكامل مناطق أكبر من المجال البصري[6] .

لاستكشاف هذه النظرية، استخدم الباحثون نوعًا من النماذج الحوسبية للرؤية المعروفة باسم الشبكة العصبية التلافيفية[7] . قاموا بتدريب النموذج الحوسبي على التعرف على الوجوه، وإعطائه إما مدخلات ضبابية متبوعةً لاحقًا بمدخلات واضحة من البداية. وجدوا أن النماذج التي تلقت مدخلات ضبابية في وقت مبكر أظهرت أداء تعميمٍ متفوق في مهام التعرف على الوجوه. بالإضافة إلى ذلك، كانت المساحات الحسية الصدغية[8]  للشبكات العصبية - وهي حجم المنطقة المرئية التي تغطيها هذه الشبكات - أكبر من المساحات الحسية الصدغية في النماذج الحوسبية المدربة على المدخلات الواضحة من البداية..

بعد نشر تلك الدراسة[9]  في عام 2018، أراد الباحثون استكشاف ما إذا كانت هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها أيضًا في أنواع أخرى من الأجهزة الحسية. بالنسبة لقوة السمع audition، يختلف الخط الزمني للتطور قليلاً [عن الخط الزمني لقوة الرؤية]، حيث يولد الأطفال بعد فترة حمل كاملة بقوة سمعية شبه طبيعية عبر طيف ترددات الصوت المسموعة [والتي تتراوح من 20 - 20 ألف هرتز]. ومع ذلك، خلال فترة ما قبل الولادة، وبينما لا يزال الجهاز السمعي في طور التطور والنمو، يتعرض الأطفال لجودة صوت منخفضة في الرحم.

لفحص تأثيرات تلك المدخلات منخفضة الجودة، قام الباحثون بتدريب نموذج حوسبي لفحص القوة السمعية لدى البشر لأداء مهمة تتطلب تكامل المعلومات الحسية على مدى فترات زمنية طويلة - مميزةً بين أنواع المشاعر من مقطع صوتي. عندما تعلمت النماذج هذه المهمة، قام الباحثون بتزويدها بنوع من أربعة أنواع مختلفة من المدخلات السمعية: مدخل سمعي منخفض التردد فقط ومدخل سمعي بتردد كامل فقط، ومدخل سمعي بتردد منخفض متبوع بمدخل سمعي بتردد كامل، ومدخل سمعي بتردد كامل متبوعٍ بمدخل سمعي بتردد منخفض.

المدخل السمعي بتردد منخفض متبوع بمدخل سمعي بتردد كامل يحاكي بشكل وثيق ما يتعرض له الرضع النامون [بعمر أقل من سنة]، ووجد الباحثون أن النماذج الحوسبية المعرضة لهذا السيناريو قد أظهرت بروفايل profile أداء هو الأكثر تعميمًا في مهمة التعرف على المشاعر. هذه النماذج أنتجت أيضًا ساحات حسية صدغية[9]  أكبر للاستقبال، مما يعني أنها كانت قادرة على تحليل الأصوات التي تحدث على مدى فترة زمنية أطول.

يشير هذا، تمامًا كما أشارت له الدراسة السابقة التي أجريت على الرؤية، إلى أن المدخلات الضعيفة في وقت مبكر من التطور تعزز في الواقع قدرات التكامل الحسي لدى الأطفال بشكل أفضل في وقت لاحق من العمر.

يقول لوكاس ڤوغيلسانغ Lukas Vogelsang: ”هذه النتائج تدعم فكرة أن البدء بمعلومات محدودة جدًا، ثم التحسن المتدرج بمرور الوقت قد يكون في الواقع سمة من سمات الجهاز الحسي وليست مشكلة“.

تأثير الولادة المبكرة «الخدج» في الجهاز السمعي

وجدت الأبحاث السابقة التي أجرتها مختبرات أخرى أن الأطفال المولودين قبل الأوان يظهرون ضعفًا في معالجة الأصوات منخفضة التردد. وأداؤهم أسوأ من الأطفال المولودين بعد فترة حمل كاملة في فحوصات تصنيف أنواع المشاعر، في وقت لاحق من الحياة. تشير النتائج الحوسبية لفريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن هذا الضعف قد يكون نتيجة تفويتهم فرصة الاستفادة من بعض المدخلات الحسية منخفضة الجودة التي يتلقونها عادة وهم لا يزالون داخل الرحم.

يقترح الباحثون أنه بالنسبة للأطفال المولودين قبل الأوان، قد يكون من المفيد تعريضهم لأصوات منخفضة التردد بشكل أساس بعد الولادة مباشرة، لمحاكاة الظروف الشبيهة بظروف الرحم التي فوتوا الفرصة من الاستفادة منها [وذلك بسبب ولادتهم قبل الأوان].

سيعمل فريق البحث البحث على استكشاف مجالات أخرى قد يكون فيها هذا النوع من المدخلات الضعيفة مفيدًا لتطور الدماغ. وتشمل هذه الجوانب البصر والإدراك الحسي للون، وكذلك المجالات المختلفة نوعيًا مثل التطور اللغوي.

لم نتوقع أن الأفكار التي انبثقت من بحثنا على الأطفال المكفوفين خلقيًا سيكون لها تأثير كبير في تفكيرنا في القوة السمعية. ولكن، في الواقع، يبدو أن هناك قواسم مشتركة بين هذين المجالين «الرؤية والسمع». وربما هذا الخيط المشترك الرابط بين المجالين يتجاوز هاتين الحاستين. من الواضح أن هناك مجموعة من الأسئلة البحثية المثيرة التي تنتظرنا ".

مصادر من داخل وخارج النص

[1] - https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10,1111/desc.13278

[2] - https://ar.wikipedia.org/wiki/وحدة_العناية_المركزة_للأطفال_حديثي_الولادة

[3] - ”حدة البصر هي الحدة أو وضوح الرؤية، والتي تعتمد على وضوح التركيز في الشبكية في العين والحساسية التفسيرية القادمة من الدماغ. تقاس حدة البصر باستخدام علامات معينة، مثل مخطط سنيلين التقليدي الذي يتكون من أحرف مختلفة الأحجام، تعتمد هذه القياسات على طريقة علمية خاصة بناء على حقائق بصرية وفسيولوجية.“ مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/حدة_البصر

[4] - ”تقع النقيرة foveola داخل منطقة تسمى البقعة الشبكية macula، وهي عبارة عن جزء مخروطي من شبكية العين retina البشرية بلون مائل للصفرة مكدس بمستقبلات ضوئية مخروطية الشكل. يبلغ قطرها حوالي 0,35 مم، وتقع النقيرة في وسط النقرة المركزية fovea وتحتوي فقط على خلايا مخروطية ومنطقة مخروطية الشكل من خلايا مولر Müller cells. في هذه المنطقة وجدت المستقبلات المخروطية لتكون أطول وأنحف وأكثر كثافة رص من أي مكان آخر في شبكية العين، مما يسمح لهذه المنطقة أن يكون لديها القدرة على أن يكون لها أعلى حدة بصرية في العين.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://en.wikipedia.org/wiki/Foveola

[5]  - https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5484255/

[6] - https://ar.wikipedia.org/wiki/ساحة_بصرية

[7] - https://ar.wikipedia.org/wiki/شبكة_عصبونية_التفافية

[8] - ”المجال الاستقبالي، أو الفضاء الحسي، هو وسيط محدد حيث يمكن لبعض المحفزات الفسيولوجية أن تثير استجابة عصبية حسية في كائنات حية معينة.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://en.wikipedia.org/wiki/Receptive_field

[9] - https://www.pnas.org/doi/10,1073/pnas.1800901115

المصدر الرئيس

https://news.mit.edu/2022/prenatal-sound-womb-auditory-system-0525