آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 7:32 ص

الكتابة من معاناة نقش الصخر إلى راحة الآلة!

كانت معاناة الكتاب والعلماء القدامى الذين تركوا إرثًا ضخمًا من الآثار المكتوبة كبيرة في الكتابة والتدوين! كتبوا في الطينَ والشمع والشجر والحجر والمعادن والجلد قبل المحبرة والقلم الذي لم يكن في بداياتِه سهلًا مثل اليوم، قلم واحد يكتب كتابًا دون أن يتوقف الكاتب! وحالما ينفد الحبر يلتقط الكاتبُ قلمًا آخر بنفسِ اللون ودرجة التركيز أو قلمًا من لونٍ آخر. في هذه الآونة لا حبر ولا محبرة، الكاتب يقول الكلمات والآلة تكتبها!

تخيل أيها القارئ الكريم أنّ على الكاتب أنْ يغط أداةَ الكتابة - القلم - آنذاك في الحبر، الذي يعده بنفسه، بين كلمةٍ وأخرى لأن الحبر جف، ثمَّ يبري القلم وينحته بين سطرٍ وآخر ليكون رأس القلم حادًّا. مع هذه المعاناة كُتبت أصنافُ الكتب ودُونت شتى العلوم، ومن الكتب ما فاق حجمًا وعددًا ورصانةً ما ينتج في هذا الزمن، زمن سهولة الكتابة ووفرة أدواتها!

الكتابة مهنةٌ كانت أدواتها شاقة في بداياتها، أدوات بدائية جدًّا بحيث تستهلك كتابة الكلمة الواحدة مدةً زمنية محسوبة. تقدمت أدوات الكتابة مثلما تقدمت أدواتُ الحراثةِ والنجارة والصيد والزراعة وبقية المهن. وبقي من صعوبة مهنة الكتابة معاناة الكاتب وقدرته الإبداعية والفكرية من أجل أن يقدم للقارئ مادةً تفيده ويرغب في استهلاكها!

لا يهم القارئ معاناة وتعب الكاتب كثيرًا، لأن الكتابة مهنة! فهو - القارئ - لا تهمه معاناة وظروف الإنتاج، يأخذ ما يشتهي ويترك ما لا يشتهي، يكون صداقةً مع بائع ولا يعود أبدًا لبائعٍ آخر! لا تهمه ولا يفكر في معاناة الفلاح في حرث الأرض من أجل زرع شجرة تفاح، إنما يهمه جودة التفاحة. لا يفكر في الأجرة المتدنية التي يحصل عليها عامل في مصانع السيّارات، إنما في جودةِ السيّارة ومتعة وسلاسة قيادتها.

من البديهي أن سهولة استخدام أدوات أي حرفة أو مهنة يحتم كثرة المنتسبين لها، وأنتجَ - في حالة الكتابة - أنماطًا من الطامحين في لقب ”كاتب“! كاتب ناشئ، بدأ يخوض غمار الكتابة يستحق أن يسمى ”كاتب“، آخر يحتاج إلى إنضاجِ أفكاره على نارٍ هادئة قبل أن يضع على رأسه تاج ”كاتب“!

قديمًا، كان الكاتب ينتهي من كتابه بعد جهدٍ جهيد ثمَّ يظهره للناس! وهذه الآونة تزخر بكتَّاب الساعةِ واللحظة. كتَّاب يعتبرون الكتابة هواية وأكلةً ممتعة يمكن تجهيزها في نصف ساعة! لهذا ترى في بعض ما يكتب وجبةً شهية، وبعضه عسر الهضم، مشبع بالدهون الضارة!

مستشار أعلى هندسة بترول