آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

التأقلم

محمد أحمد التاروتي *

هناك بون شاسع بين التأقلم الإيجابي والانغماس السلبي تجاه المتغيرات الاجتماعية، فالوقوف على الفروقات يسهم في الاختيار الصائب، وعدم الانجراف وراء الشعارات البراقة، خصوصا وان عملية التعاطي مع التحولات مرهونة بامتلاك القدرة على التفريق، بين الجانب المشرق والاخر المظلم، فيما يتعلق بمختلف المتغيرات المتسارعة على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان الخلط في عملية التعامل الحذر يسهم في تعقيد المشهد، على الصعيد الفردي أولا، والاجتماعي ثانيا.

فالنظرة الإيجابية للتحولات الاجتماعية، تدفع باتجاه البحث عن الجوانب المشرقة، والابتعاد عن النظرة السوادوية، من خلال وضع التحولات في ميزان التغيير الطبيعي للكيانات البشرية، فالبشر في حالة تطور والبحث عن الجديد على الدوام، مما يعني ان التحولات المتسارعة تمثل حالة طبيعية، وليست خروجا عن النسق التاريخي على مر العصور، وبالتالي فان النظرة الإيجابية تدفع باتجاه خلق الظروف المناسبة، لتوظيف تلك التحولات بالشكل المطلوب، خصوصا وان حالة التصادم والرفض الكامل يقود لنوع من القطيعة، مما يؤثر على حالة التأقلم مع التحولات على اختلافها، جراء النظرة القاصرة في رؤية الأمور بالمنظار الشمولي، فيما يتعلق بالتغيرات الكبرى في البيئة الاجتماعية.

القدرة على التوفيق بين القناعات الخاصة، والتعاطي مع التحولات الاجتماعية، امر بالغ الأهمية في البقاء على حالة التصالح مع البيئة الاجتماعية، خصوصا وان حالة التوازن تساعد في وضع الأمور في المسار المناسب، بعيدا عن حالة التشنج والتعصب، التي يظهرها البعض تجاه التغييرات الاجتماعية، انطلاقا من قناعات شخصية بضرورة التمسك بالموروث الثقافي، وعدم الاستسلام للثقافات الوافدة أو الجديدة، مما يخلق حالة من العداء الفكري في كثير من الأحيان، وبالتالي الفشل في قراءة التحولات بالطريقة المناسبة، نتيجة وجود حواجز نفسية، تحول دون التواصل مع تلك التغييرات بشكل مباشر، بمعنى اخر، ان الوقوف في المنطقة الوسطى، وعدم الاستجابة للضغوط الخارجية أو الداخلية، لاتخاذ المواقف التصادمية، يحدث اثرا إيجابيا في التوصل إلى قناعات متوازنة، للتحولات الاجتماعية على اختلافها.

بينما الانغماس السلبي يقود إلى الكوارث، على الاطار الشخصي والاجتماعي، خصوصا وان التحولات تحمل في طياتها بعض الجوانب السلبية، مما يستدعي التحرك بطريقة ذكية، لتفادي الوقوع في المحظور، لاسيما وان التعاطي بدون وعي مع التغييرات الاجتماعية، يترك تداعيات سلبية للغاية، وبالتالي فان محاولة ”اغماض العين“ عن الأمور السلبية، ومحاولة ركوب الموجة بطريقة غير عقلانية، يولد حالة من الضياع الذاتي أولا، وفقدان التوازن على الاطار الاجتماعي ثانيا، فالتحرك العقلاني وتفادي الدخول في المناطق ”المحرمة“، يساعد في توجيه التحولات الاجتماعية، بما ينسجم مع الموروث الثقافي من جانب، ويخلق حالة من الانسجام الداخلي من جانب اخر، انطلاقا من قاعدة ”هلك من ليس له حكيم يرشده“.

الدعوة إلى التأقلم مع التحولات الاجتماعية، لا تتناقض مع اخذ الاحتياطات اللازمة، لتفادي الانزلاق في الطريق المجهول، خصوصا وان التحولات المتسارعة وغير المنضبطة تقود إلى التخبط، مما يحدث حالة من التصادم الاجتماعي، جراء وجود تيارات متصارعة في التعاطي مع طبيعة التحولات، وتسارعها بشكل غير مألوف، مما يترك تداعيات على طبيعة البينة الاجتماعية، وكذلك على طبيعة التفكير تجاه تلك التغييرات، وبالتالي فان عملية الإمساك بالعصا من الوسط بحاجة إلى إمكانيات كبيرة، من خلال تحريك الجانب الإيجابي، وضبط إيقاع العناصر السلبية، مما يساعد في السيطرة على الأمور بطريقة تحدث تزاوجا، بين التمسك بالموروث الثقافي، والاستفادة من متطلبات العصر.

بكلمة، فان التأقلم مع التحولات الاجتماعية عنصر حيوي، في الاستجابة لنداءات التفكير البشري، القائم على التطور والانتقال من مرحلة زمنية لأخرى، وفقا للتطورات الحاصلة على الأرض، من اجل مواكبة الزمن، وعدم البقاء في الصفوف الخلفية على الدوام.

كاتب صحفي