آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

التشهير

محمد أحمد التاروتي *

المواقف المتباينة تجاه التشهير، يكشف حساسية هذا السلوك على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان التشهير يحمل في طياته سلوكا رادعا لدى البعض، الامر الذي يسهم في انقاذ البيئة الاجتماعية من السلوكيات الشاذة، نظرا لوجود ”سيف“ التشهير على الجميع، بينما ينظر البعض الاخر إلى التشهير كسلوك غير أخلاقي، نظرا لتجاوزه الحدود الإنسانية والأخلاقية في الوقت نفسه، لاسيما وان الإصلاح يستدعي انتهاج طرق متعددة، والتشهير يمثل ”اخر دواء الكي“، وبالتالي فان الاختلاف في النظرة إلى انتهاج التشهير سيبقى قائما، نتيجة تباين وجهات النظر، وصعوبة الالتقاء عند نقاط مشتركة.

ينطلق أنصار التشهير من قناعات راسخة، بضرورة ”الضرب بيد من حديد“ لحماية البيئة الاجتماعية، من الممارسات غير السليمة، لاسيما وان التجاهل وعدم اتخاذ المواقف الصارمة والحاسمة، يشجع على التمادي في انتهاج السلوكيات الشاذة، انطلاقا من قاعدة ”من امن العقوبة اساء الادب“، وبالتالي فان ”العين الحمراء“ قادرة على لجم كافة الأصوات النشاز، الامر الذي يسهم في استقرار المجتمع والحفاظ على النظام العام.

الخشية من الفضيحة وتفادي السقوط الاجتماعي، يدفع أصحاب السلوكيات الشاذة للتفكير مليا قبل الاقدام على " المحرمات الاجتماعية، من اجل الظهور بالشكل المحترم في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان اظهار الجانب الخفي من السلوكيات غير المنضبطة، يدخل هذه الفئة في مواجهة مباشرة مع الوسط الاجتماعي، فسلاح التشهير قادر على وضع فواصل عميقة مع البيئة الاجتماعية، خصوصا وان المجتمع يرفض السلوكيات الشاذة أو الممارسات غير السليمة، الامر الذي يقود إلى السقوط الاجتماعي، بمعنى اخر، فان التشهير يمتلك القدرة على تقويم بعض السلوكيات الخاطئة، نظرا لامتلاكها القوة المعنوية القادرة على اخضاع الأطراف غير المنضبطة، وبالتالي الحفاظ على المكاسب الأخلاقية التي حققها في الصراع الدائم مع السلوكيات الشاذة.

النجاحات العديدة التي حققها سلاح التشهير في الحفاظ على التماسك الداخلي، واماطة اللثام عن بعض الوجوه المتسترة ببعض المظاهر الخادعة، يسهم في تمسك انصار خيار التشهير على السير قدما في انتهاج هذه السياسة، من اجل القضاء على كل الانحرافات السلوكية في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان برامج التأهيل لتقويم السلوك لبعض الأطراف، لم تثمر عن نتائج ملموسة في الغالب، الامر الذي يستدعي وضع سلاح التشهير على رقاب هذه الفئة على الدوام، نظرا للآثار الإيجابية الكامنة وراء استخدام هذه الطريقة، في انقاذ البيئة الاجتماعية من براثن السلوكيات الشاذة، التي تترك اثارا سلبية على العديد من الشرائح الاجتماعية.

فيما ينطلق معارضو التشهير من أسس مختلفة تماما، فالتشهير بنظر هذه الشريحة يمثل انتهاكا صارخا لبعض المبادئ الإنسانية، لاسيما وان العملية الإصلاحية تتطلب انتهاجا سبلا مختلفة ووسائل متعددة، فيما التشهير يتناقض تماما مع الحفاظ على الكرامة الإنسانية، فالحفاظ على الخصوصية ومحاولة تطويق المشاكل الاجتماعية عملية أساسية، في الحفاظ على التماسك الداخلي، لاسيما وان التشهير ينسف الكثير من المشتركات الإنسانية، وبالتالي فان اتخاذ التشهير وسيلة لتدمير بعض الشرائح الاجتماعية، ينم عن نوايا لا تنسجم مع الحفاظ على البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان العملية بحاجة إلى مراجعة، وعدم اطلاق العنان لاستخدام هذه الوسيلة دون ضوابط، أو انتهاج وسائل أخرى في عملية التقويم السلوكي، لدى بعض الفئات الاجتماعية.

بالإضافة لذلك، فان التشهير يولد حالة من الانتقام والحقد على البيئة الاجتماعية، خصوصا وان عملية حرق كافة مراكب العودة لا يترك مجالا للمصالحة، الامر الذي يخلق العديد من المشاكل على الصعيد الاجتماعي، فالتشهير يحدث تفاعلات متعددة لدى الفئات الاجتماعية، فالأطراف المتضررة تحاول الانتقام من البيئة الاجتماعية، فتارة عبر الضرب من تحت الحزام، وتارة أخرى بواسطة الانغماس بشكل أكبر في السلوكيات الشاذة، بهدف الانتقام بشكل مباشر من البيئة الاجتماعية، التي ساهمت في تدمير شخصيتها عبر استخدام سلام التشهير.

الاختلاف في وجهات النظر تجاه سلاح التشهير سيبقى قائما، نظرا لاختلاف التوجهات الفكرية وتباين المنطلقات الثقافية، وكذلك تعدد القناعات تجاه هذه الوسيلة، خصوصا وان عملية التقويم السلوكي ليست قاصرة على طريقة واحدة، ولكنها عملية ذات ابعاد متعددة، تبعا لطبيعة الثقافة الاجتماعية، وكذلك القيم السلوكية السائدة.

كاتب صحفي