آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 10:28 ص

مفهوم الرجولة

محمد أحمد التاروتي *

الثقافة المجتمعية عنصر فاعلا في تحديد مفهوم الرجولة، إذ تختلف مقاييس الرجولة في المجتمعات البشرية تبعا لطبيعة النظرة الاجتماعية، فالذي يتناغم مع مفهوم الرجولة لدى مجتمعات بشرية، يشكل نقصا في الرجولة لدى بعض المجتمعات الإنسانية، خصوصا وان المستوى الثقافي والعادات الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تحديد ”الرجولة“ في الغالب.

محاولة اكتساب الرجولة تبعا للمفاهيم الاجتماعية، يكون هدفا رئيسيا لدى بعض الفئات الاجتماعية، خصوصا وان كسر تلك المفاهيم يتسبب في بعض المتاعب على الصعيد الشخصي، الامر الذي يدفع البعض لمحاولة مسايرة الثقافة السائدة، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء، بهدف الحفاظ على ”الرجولة“ في نظر البيئة الاجتماعية، لاسيما وان القفز على الواقع الاجتماعي يخلق صراعا في عملية التوافق مع الوسط المجتمعي، فيما تضرب بعض الفئات الاجتماعية بالثقافة السائدة عرض الحائط، من خلال اعتماد قناعات خاصة في التعبير عن ذاتها وابراز كياناتها في المجتمع، خصوصا وان الرجولة ليست بحاجة إلى شهادة ”حسن سيرة وسلوك“ من البيئة الاجتماعية، فهي سلوك عملي يتجسد على الواقع الخارجي، الامر الذي يفرض التعاطي بالقناعات الخاصة، بعيدا عن ”الرضا“ الاجتماعي.

المواقف المتباينة في تحديد مفهوم الرجولة يكشف الصراع القائم، نظرا لاختلاف آليات اكتساب هذه الصفة على الصعيد الاجتماعي، فالمحاولات الكثيرة لتوحيد الثقافة الاجتماعية، لرسم مسار واضح لمفهوم الرجولة، باءت بالفشل جراء اصصدامها بالواقع الاجتماعي شائك، خصوصا وان الثقافة الاجتماعية قابلة للتغيير والتبدل على الدوام، فالخطوط الحمراء المرسومة لدى الأجيال السابقة، تتحول إلى خطوط خضراء عند الأجيال الحالية، نتيجة التحولات الاجتماعية من جانب، وحدوث قناعات مغايرة لدى العديد من الفئات الاجتماعية من جانب اخر، الامر الذي يكرس حالة الاختلاف القائم في تحديد هوية الرجولة في الوسط الاجتماعي.

الدخول في مواجهة مباشرة مع الثقافة الاجتماعية، يمثل احد العناصر الأساسية في كسر بعض المفاهيم الحاكمة في تحديد ”الرجولة“، خصوصا وان الاقدام على تجاوز تلك المحرمات لا يتناقض مع المبادئ الأخلاقية، وبالتالي فان تحطيم الحواجز المعنوية القائمة على وضع خطوط حمراء، يساعد خلق واقعا جديدا، الامر الذي يقود إلى وضع اطار ثقافي مختلف تماما عن المفاهيم والمفردات السائدة سابقا، في تعريف ”الرجولة“، بمعنى اخر، فان مسايرة الواقع الاجتماعي لا يخدم في بعض الأحيان الثقافة السائدة، بقدر ما يكرس مفاهيم خاطئة، مما يستدعي التحرك باتجاه معاكس لإحداث تحولات حقيقية في الثقافة السائدة، بما ينعكس بصورة مباشرة على تغييرات جوهرية في تحديد مفهوم عقلاني للرجولة، خصوصا وان الثقافة الاجتماعية الصارمة تحاصر مفهوم الرجولة بالكثير من المحرمات، مما يجعل الخروج عليها سقوطا اجتماعيا.

وجود بيئة قادرة على استيعاب المفاهيم الجديدة للرجولة، يشكل احد العوامل المشجعة على تحطيم العديد، من المفردات السائدة في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الموروث الثقافي قادر على احتضان التحولات، بما يسهم في توسيع مفاهيم الرجولة، الامر الذي يفضي لحالة وفاق بين القناعات الخاصة، والثقافة المجتمعية السائدة، مما يحدث نوعا من المزاوجة القادرة على تحديث العديد من المفردات في نهاية المطاف، لاسيما وان التمسك بالمفردات الاجتماعية السابقة يدخل في بعض التعصب أحيانا، نظرا لكون تلك المفردات لا تدخل ضمن مفاهيم الرجولة من الناحية الأخلاقية، فالتعاون وتقديم المساعدة لا ينقص من الرجولة، بقدر ما يرفع صاحبه على الاطار الاجتماعي.

الرجولة ليست مدعاة لاستخدام العنف في العلاقة الاجتماعية، ولكنها ترجمة للعديد من المفاهيم الأخلاقية، سواء في المحيط الصغير أو الوسط الاجتماعي الكبير، فالتنازل لا يمت للضعف بصلة بقدر ما يكشف المستوى الأخلاقي، وبالتالي فان الرجولة لا تكتسب بممارسة القوة على الأطراف الضعيفة، ولكنها تكتسب من خلال اظهار الرحمة، والعطف على الأشخاص الضعفاء.

كاتب صحفي