آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 3:57 م

رجال المطر

محمد أحمد التاروتي *

تعجز الكلمات عن وصف البطولة الكبيرة، التي تلعبها فرق الإنقاذ على اختلاف، فهي تقطع المسافات الطويلة وتجهز الاليات المناسبة، بمجرد تحول الطرقات إلى بحيرات مائية، حيث تسخر جميع امكانياتها وتبذل قصارى جهدها، لتقديم المساعدة للمركبات المتعطلة في الشوارع، من خلال اتاحة الخطوط الهاتفية الساخنة على مدار الساعة للجميع.

ثقافة المساعدة التي تحملها فرق الإنقاذ، تترجم بشكل جلي في المسارعة لتقديم المساعدة للجميع، فهذه الفرق لا تتوانى في الوصول إلى أماكن الوعرة والصعبة، لانتشال مركبة متعطلة أو الوقوف على الحالات الطارئة، ففي الوقت الذي يفضل الكثير البقاء في المنازل لتفادي الوقوع في فخ ”الامطار“ الغزيرة، فان رجال المطر يتنقلون بالآليات المجهزة لتقديم المساعدة الطارئة للمركبات الغارقة، في بحيرات مياه الامطار، الامر الذي يعطي انطباعات غير اعتيادية على المعايير الاخلاقية فرق الإنقاذ.

تحرص فرق الإنقاذ على العمل بصمت في أحيان كثيرة، فهناك الكثير من الحالات لم تتناولها وسائل الاعلام، نظرا لحرص تلك الفرق على ابقائها طي الكتمان، سواء لوجود رغبة حقيقية في عدم اظهار تلك الاعمال على الملأ، أو بسبب عوامل أخرى تسهم في إبقاء عمليات الإنقاذ في الخفاء بعيدا عن الاعلام، بيد ان الجهود الكبيرة لفرق الإنقاذ تبقى محل احترام وتقدير على الدوام، خصوصا وان تقديم المساعدة يمثل قمة الاخلاق، ويكشف طبيعة الثقافة التي يحملها افراد تلك الفرق، انطلاقا من تجسيد مبدأ ”جوائح الناس من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم“.

الموارد الذاتية القليلة وكذلك محدودية افراد فرق الإنقاذ، لم تشكل حائلا امام ممارسة هذه الفرق دورها المسؤول، في تقديم المساعدة في الأوقات الصعبة، لاسيما وان صعوبة التحرك في الشوارع الغارقة بمياه الامطار، تفرض على تلك الفرق التواجد لتقديم مختلف أنواع الدعم، بهدف إزالة جميع العراقيل امام انسيابية الحركة المرورية في الشوارع الرئيسية والفرعية، خصوصا وان هناك مسؤوليات اجتماعية تفرضها الاخلاقيات الدينية والمبادئ الإنسانية، لتقديم الدعم في جميع الأوقات سواء في الرخاء أو الشدة، وبالتالي فان معدن الإنسان يظهر بصورة واضحة في أوقات الازمات، من خلال تسخير امكانياته وقوته في سبيل تقديم المعونة والنصرة لأخيه.

رجال المطر يمثلون شريحة اجتماعية أساسية في البيئة الاجتماعية، فهذه الفئة تمتلك القدرة على ابراز الجوانب الإيجابية لدى البشر، من خلال الاطلاع بالدور الاجتماعي في توظيف القدرات والإمكانيات بطريقة فاعلة، انطلاقا من قناعات راسخة بضرورة التحرك في الاتجاهات المناسبة، بهدف تسخير القدرات بما يصعب في خانة المصلحة الاجتماعية، خصوصا وان عملية تقديم الدعم تكون أكثر أهمية من كثير من الاعمال الاجتماعية، ولاسيما في أوقات الشدة، الامر الذي يعزز من دور رجال المطر في أوقات الغيث، وغرق الطرق، وتعطل المركبات في وسط بحيرات الامطار.

ثقافة التشجيع عنصر أساسي في استمرارية وديمومة الكثير من الاعمال الاجتماعية، خصوصا وان التجاهل على اختلافه يؤثر في بعض الأحيان، في اتساع دائرة بعض الاعمال الاجتماعية، نتيجة الإحباط الداخلي الذي ينتاب البعض جراء الافتقار للتقدير، مما يسهم في الانسحاب السريع من الساحة، الامر الذي يستدعي تكريس ثقافة التشجيع في الأوساط الاجتماعية، من اجل احداث الأثر الايجابي في النفوس من جانب، والحفاظ على المكاسب المحققة من جانب اخر.

تبقى فرق الإنقاذ عنصر فاعل في أوقات الازمات المطرية، حيث تحرص على حماية الأرواح من الأذى، والممتلكات من التلف، خصوصا وان المياه تتحول إلى مصيدة للكثير من المركبات، التي تحاول تجاوز الشوارع المملوءة بكميات الامطار.

كاتب صحفي