آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 11:44 م

اخلاقيات مصلحية

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض لعبة متقنة في توظيف الإمكانيات المتاحة، وكذلك الاخلاقيات الخاصة للحصول على المكاسب المتعددة، فهؤلاء لا يتورعون في الانقلاب الكامل على جميع الأفكار السابقة، وتقديم التنازلات الكبرى بمجرد الإحساس بفقدان المكاسب، أو الخروج من ”الولد لا حمص“، فتارة يظهرون الاخلاق الحسنة لكسب الود الاجتماعي، وتارة أخرى يتخذون الانتهازية وسيلة لتحقيق المكاسب، إذ لا يوجد محظورات أو مبادئ في سبيل تحقيق المصالح الخاصة.

تبرز الانتهازية في الكثير من المواقف الحياتية، من خلال اظهار عدة وجوه متباينة ومتناقضة في الوقت نفسه، بمجرد الحصول على الفرصة المواتية، فالمصالح تفرض اظهار الجانب الأخلاقي في أوقات محددة بالمحيط الاجتماعي، كما تدفع بإبراز الانياب الحادة في فترات اخرى، خصوصا وان حصد المكاسب يتطلب التلون، والانتقال من طرف لآخر دون الإحساس بالإحراج والخجل، فالعملية لا تعدو عن كونها ”تجارة“، تستدعي اللعب بالورقة الرابحة تفاديا للدخول في الخسارة.

الحصول على مباركة ”أصحاب اليد الطولى“، تشكل المحرك الأساس وراء انتهاج الانقلاب الشامل، في اتخاذ المواقف الحياتية على تناقضاتها، نظرا لعدم وجود مبادئ ثابتة في مختلف التعاملات اليومية، وبالتالي فان التمسك بالمواقف حتى النهاية ليس مطلوبا، جراء وجود محركات أخرى تدفع نحو ”الكفر“ بالمبادئ أو القناعات السابقة، انطلاقا من قواعد تحث على اتخاذ المواقف المتغيرة طريقة ثابتة في الحياة، مما يستدعي التحرك في اتجاه المصلحة بالدرجة.

تحقيق المكاسب الكبيرة، وعدم القدرة على القراءة المستقبلية، تشكل عناصر أساسية في انتهاج ”اخلاقيات المصلحة“، فهذه الفئة تنظر لمسافة قصيرة للغاية، إذ لا يتجاوز مستوى الرؤية اقدامها في الغالب، مما يحفزها على ممارسة الانقلابات الشاملة في المواقف الحياتية، خصوصا وان النتائج المترتبة على المكاسب الاجتماعية تتجاوز في بعض الأحيان جميع التوقعات، الامر الذي يدفع باتجاه الانغماس في هذه السياسة، بغض النظر عن التداعيات المترتبة على تلك الطريقة، سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، بالإضافة لذلك فان محدودية التفكير تسهم بدورها في ممارسة سياسة ”اخلاقيات المصلحة“ على الصعيد الاجتماعي، فهذه الشريحة ليست قادرة على التفكير خارج ”الصندوق“، مما يجعلها فريسة الاغراءات المقدمة، وكذلك ضحية الاطماع الكبرى.

وضع الاخلاقيات على طاولة المساومات، والتخلي عن المبادئ طمعا في المكاسب، يضع هذه الشريحة في مواجهة مباشرة مع البيئة الاجتماعية، خصوصا وان القيم الأخلاقية غير قابلة للقسمة على ”اثنين“، وبالتالي فان محاولة استخدام الاخلاقيات كوسيلة لتحقيق المكاسب الاجتماعية، تمثل قمة ”الانتهازية“ لدى بعض الشرائح بالمجتمع، الامر الذي يمهد الطريق امام واقع مأساوي يصعب تصوره، جراء جملة التنازلات المقدمة للحصول على بعض المكاسب الاجتماعية، بمعنى اخر، فان التحرك الهادف لاحداث شرخ في الجدار الاجتماعي عبر تقديم التنازلات، تكون نتائجه وخيمة في البيئة الاجتماعية، جراء اظهار الوجوه الحقيقية لبعض الفئات، التي تستخدم الاخلاق كغطاء للوصول إلى الغايات الخاصة.

مسلك اخلاقيات المصلحة يتسم بالخطورة الكبرى، خصوصا وان النتائج ليست مضمونة على الدوام، فالمكاسب التي يحققها البعض جراء استخدام هذه المنهجية في الحياة، ليست قادرة على تحقيق ذات المكاسب على الدوام، نظرا لاختلاف المستويات الثقافية من جانب، والتحولات الاجتماعية المتسارعة من جانب اخر، مما يعني ان محاولة ممارسة الخداع والعمل على التقرب من أصحاب ”النفوذ“، لن تكون نتائجه مفروشة بالورود، الامر الذي يفسر محاولة البعض لترك طرقا للعودة وعدم احراق كافة المراكب، من اجل انقاذ بعض المصداقية، ومحاولة إيجاد موطئ قدم في البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي