آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

البطولة الزائفة

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك البعض وفق مفاهيم ”وهمية“، في سبيل تسجيل اسمه في سجل الابطال، فتارة يستخدم المسارات الخاطئة في التعاطي مع البيئة الاجتماعية، بهدف فرض ذاته على الواقع المعاش، وتارة أخرى يلجأ إلى أصحاب القوة للحصول على بعض المكاسب، خصوصا وان الفشل في الاعتماد على الذات في الدخول في نادي الابطال، يخلق حالة من الاضطراب، وانعدام التوازن النفسي والعقلي احيانا، الامر الذي يدفع لمحاولة التعويض عن النقص، باستخدام الوسائل المتعددة، بغض النظر عن مشروعية تلك الوسائل، لاسيما وان اعتماد ”الغاية تبرر الوسيلة“، تمثل الشعار في الممارسات الحياتية لدى هذه الفئة.

محدودية النتائج للدخول في نادي ”الابطال“، مرتبطة بطريقة التحرك ونوعية السلوكيات الأخلاقية، خصوصا وان البيئة الاجتماعية قادرة على التمييز بين التعاملات المشروعية وغير الأخلاقية، الامر الذي يدفع باتجاه اتخاذ مواقف مضادة، بحيث تبرز على اشكال متعددة، بعضها يتمثل في العزوف الكامل عن التعاطي مع تلك ”البطولة“ الزائفة، والبعض الاخر يترجم بطريقة تكشف ادعاءات البطولة، من خلال الاختبارات العملية في الممارسات اليومية، انطلاقا من المثل القائل ”المية تكذب الغطاس“، وبالتالي فان محاولة ركوب قطار البطولة دون امتلاك الأدوات الذاتية تبوأ بالفشل الذريع، نظرا لانعدام الإمكانيات اللازمة للبقاء في احد مقاعد قطار البطولة.

الاستناد على الأقوياء للحصول على ”البطولة“، لا يصنع الابطال على الاطلاق، والحصول على احد المقاعد الامامية في المسرح الاجتماعي، خصوصا وان بقاء ”مباركة“ الأقوياء ليس مضمونا، مما يسهم في تعرية ادعياء ”البطولة“ في البيئة الاجتماعية، كون ميزان القوى قابل للتحولات المستمرة، فالأقوياء يكونون ضعفاء في مراحل زمنية معينة، مما يجعل المراهنة على الأقوياء في الحصول على ”البطولة“، مغامرة ليست محسوبة النتائج، الامر الذي يستدعي التريث والتفكير مليا، قبل التضحية وتقديم التنازلات الكبيرة، في سبيل الحصول على ”مباركة“ الأقوياء، بمعنى اخر، فان البطولة المدعومة خارجيا سرعان ما تتحول إلى ”نقمة“ على أصحابها، جراء عدم الانسجام بين الإمكانيات الذاتية والمواقع الخارجية، مما يقود إلى الخصام وعدم القدرة على الصمود، في وجه العراقيل والمشاكل التي تعترض الطريق.

الوعي الاجتماعي يسهم في اكتشاف ”البطولة الزائفة“، خصوصا وان ”حبل الكذب قصير“، فالجلوس في المقاعد الامامية بالبيئة الاجتماعية يتطلب الكفاءة اللازمة، التعاطي المتوازن مع التناقضات الاجتماعية، وكذلك القدرة على امتصاص ردات الفعل، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، فالبطولة تستدعي مواجهة كافة التحديات، والعمل على إزالة جميع المصاعب، لاكتساب ”الشرعية“ الاجتماعية، لاسيما وان البيئة الواعية تعمل على وضع ”الابطال“ تحت الاختبارات الصعبة، لاكتشاف المعادن الاصيلة والأخرى الزائفة، وبالتالي فان الحصول على مكاسب سريعة، والقدرة على اكتساب المزيد من التأييد الاجتماعي، لا يمثل الدخول في نادي ”الابطال“، بقدر ما يشكل تحديا حقيقيا على الصعيد الشخصي.

التوجه للدخول في نادي ”الابطال“ ليس كافيا، للحصول على بطاقة الانتماء، فهناك العديد من المقدمات والكثير من الاعمال، لاسيما وان ميدان الحياة يكون المحك الأساسي، لاكتساب هذه الميزة الكبرى، الامر الذي يفسر خروج الكثير من مدعي البطولة، من الساحة بعد فترة قصيرة، ورفع راية الاستسلام، نتيجة الفشل في تجاوز الكثير من المحطات الحياتية، الامر الذي يقود إلى الانكسار الداخلي، وعدم القدرة على الوقوف، في وجه التيارات الاجتماعية المعارضة، خصوصا وأن البيئة الاجتماعية تموج بالعديد من التوجهات ومختلف التيارات، مما يتطلب الحنكة في التعاطي مع تلك التوجهات، لامتصاص ردود أفعالها، والعمل على إحداث تحولات جذرية، وبقاء قاعدة اجتماعية للحصول على شهادة ”البطولة“، وتكريس الشرعية على الإطار الاجتماعي.

كاتب صحفي