آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

صحيح ولكن

علي أحمد آل رضي

تحرص العائلة على تسجيل أبناءها في المدارس بهدف التربية والتعليم والسعي نحو حياة هادفة ومستقبل جميل ومريح خالٍ قدر الأمكان من ضنك العيش نتيجة الجهل والفقر والضياع وأسباب أخرى الذي تعانيه شعوبٌ عديدة في شرق وغرب العالم المبتلاة بالمشاكل والنزاعات الداخلية والخارجية دون إغفال جهود رفقاء السوء واثرهم السيئ في محيطهم، وهذا صحيح ولكن لا يمكن تأكيد حصاد التطلّعات والأماني دون التركيز على الهدف في كل الظروف والأوقات. تحقيق الأهداف ليست مثل البذور تقطف ولا سمك يصطاد بل هو إصرار وتحدي لا هوان فيه ويتطلب سجال من العمل والتعب واليقظة المتواصلة. التربية والتعليم في الوقت الذي ينظر اليها انها اليوم اسهل مما قبل، يبدو ان التشتت الفكري من ازدحام الأجهزة اليدوية واللوحية والقنوات والفعاليات البصرية والصوتية الترفيهية تشغل حيّزاً ثقيلاً في صدور فلذات الأكباد وتسرق أوقاتهم. مع ذلك، ثمة نقاط على السطر لابد من الإشارة لها بفخر وإعتزاز حيث نلحظ الزيادة في أعداد الموهوبين والمتفوّقين من المحافظة عاماً بعد عام مع توفّر أدوات مساندة تبرز هؤلاء الفتية وترفع انجازاتهم لتنهض وتعلو حتى في المحافل الدولية. نتمنى أن نشاهد التنافس على مخرجات التربية والتعليم بين المناهج الشاملة الحكومية والأهلية. السؤال المشروع، لماذا تغيب عوامل الجذب وينفر البعض من المدرسة والدراسة؟

في المجمل، طيف واسع من الناشئة والشباب، حتى من ينال فرص غير متاحة للجميع، يتوقّف عن طلب العلم متى ما تعب من هضم المواد وتشرّب بمصطلحات الصعوبة والتعقيد وعدم الفائدة التي تأخذه إلى مسار التخلّي عن القراءة والتمعّن الفكري العلمي، دون الإساءة لمن واجه ظروفاً قاسية ارغمته إلى سرعة الدخول في مجال الكدح والعمل العام بلا حول ولا قوة. ثلّة من هؤلاء قد ينجح في الحصول على وظيفة متصاعدة وآخرين لربما يجتهدون بشتّى الطرق لنيل شهادة تسانده للوصول إلى وظيفة أفضل. هذا العدد الذي قد يدرج ضمن الناجحين والأطباء والمهندسين والمختصّين اندمجوا ضمن فرق العمل التنموية ومغروسة بين خلاياهم مفهوم النقص وعدم المعرفة مما ينعكس بشكل سلبي كبير على ما يسند اليهم من مهام ادارية وتنفيذية مؤثّرة على جودة الحياة والمجتمع. من البديهي القول أننا نقبل الجودة العالية التي تضمن الإستفادة القصوى من العمل والمنتج سنوات أطول مقابل جودة أقل تتطلّب صيانة وإصلاح متكرر. ومن المهم تفعيل مسار التدريب والتطوّع المهني بشكل واسع من أجل كسب الخبرة وتعزيز المعرفة إضافة إلى المشاركة في الدورات والمناقشات لما فيها من كسب الخبرة ورفع مستوى الثقة والمسؤولية. ويبقى السؤال عند الحاجة، مع أن له الألوية هل تقبل أداء ذو جودة متدنّية من المواطن ابن البلد؟

يمكن القول أن الإنتقال من الفترة التعليمية إلى المجال العملي ليس مفروش بالورود وقد تسير الأيام والسنون وأنت تبحث عن مصدر رزقك ولا تجد نتيجة تغيّر المعادلات الإقتصادية والإجتماعية وتأثيرها على إدارة وتشغيل الأعمال، رغم الإزدياد المضطرد في عدد الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال. في القرن الماضي كانت الحياة أصعب ولكن الوظائف كما الأعمال مع بعض المشقّة تتوفّر، حيث لاحظنا الهجرة من مدينة إلى أخرى طلباً للعمل ومن دولة إلى دولة أخرى لممارسة أعمال التجارة في وقت يمكن وصفه أن المسؤولية فيه كانت أرفع واقتناص الفرص كانت تستلزم المهارة لتأمين نسبة مرتفعة من النجاح والإستمرار. المهارة هي المنقذ عندما تضيق السبل وتفقد فجأة ما تملك من عمل ومصادر زرق وهذا ما لمسناه عندما واجه البعض الإستغناء عنهم، وأغلق البعض محلاتهم نتيجة متطلبات وإلتزامات لا تغطيها الإيرادات. كما هي سير الآباء والتجّار وتأسيس المشروعات الخيرية والإجتماعية، ”علمتنا الحياة“ اسم أحد البرامج المرئية الرائدة وفيه يسرد الأولاد والبنات مسارات منهكة من قصص الكفاح المتنوّعة تتوّج غالباً بفرحة أمل ونجاح. ومع محدودية الفرص واشتداد التنافس هل سيساعدنا الذكاء الإصطناعي على ادارة القبول والرفض عبر فرز البيانات الزائفة والمستندات المفبركة التي ساهمت من قبل في رفع وتقديم من لا يستحق؟

بعد الأربعين والخمسين غالباً سيجد الإنسان وقتاً لمشاركة اصدقاء الدراسة وزملاء العمل والأقارب والجيران وآخرين في الميدان الإجتماعي الجميل والنبيل الذي انطلق من المجال الخيري وتفخر المحافظة أنها هي المنبع ولا تزال جمعياتها ولجانها المتعددة تقدّم برامج دعم للمحتاجين بكفاءة وتميّز واقتدار. ولكن، مع ازدياد عدد السكان والموظفين ومستوى الدخل لا نلمس ازدياد مقابل في عدد الأعضاء المشتركين في هذه الجمعيات. وفي الوقت الذي خطت معظم الجمعيات في تنفيذ مشروعات استثمارية ضرورية من أجل دخل مستمر نرى أهمية المحافظة على الهدف الخيري الأول وتخصيص نسبة مجزية من ايرادات هذه المشروعات لبند مساعدة الفقراء والمحتاجين. تعزيز العلاقة المجتمعية وحل الخلافات الأسرية مجال خصب ويحتاج إلى جهود ومساندة من الجميع حتى لا يكثر الخلع والطلاق بين حديثي الزواج وسوء العلاقة بين الإخوة والشركاء، حيث أن غياب دور المؤسسات الحكومية المعنيّة ولجان اصلاح ذات البين الميداني يساهم في ازدياد المشاكل وصعوبة معالجتها. من المؤسف حقاً أن تتفاقم الخلافات بين الإخوة مما يؤدي إلى فصل الشراكة وازدياد حدّة التوتّر بين الورثة، ومن جهة أخرى هناك مبالغات في الإنتقاد وتحويله من الموضوعي الهادف إلى الإستهداف والإساءة والشخصنة التي تصدر ممن يعتقد أنه بمكانة يحق له التعالي. هل يمكن لمحكمة الأوقاف والمواريث التدخّل لمعالجة المشاكل بين الورثة؟

صحيح أننا نشاهد ونسمع وبلا شكّ أن إمكانياتنا البصرية والسمعية والإدراكية محدودة ولسنا في مستوى الكمال، لذا في كل مشهد هناك حقيقة لم تظهر. ما تراه صحيحاً عن قناعة عليك أن تؤمن بإحتمالية أن يكون فقط جزئيّاً صواب وربما خالفه.