آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

الاستقطاب

محمد أحمد التاروتي *

الجاذبية لاكتساب الأصدقاء سمة ليست متاحة للجميع، فالبعض يمتلك مواصفات وقدرات استثنائية للتأثير على المحيط القريب، وكذلك اختراق المحيط الواسع، مما يجعله قطب الرحى في جميع المناسبات، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، بحيث تتجلى في توسيع دائرة الأصدقاء، والعمل على إزالة جميع الإشكالات أو العراقيل، التي تحول دون كسب ود الاخرين.

امتصاص درات الفعل والتحرك وفق الاليات المتاحة، وكذلك تجنب اثارة الحساسيات، وأيضا تفادي الدخول في المناطق المحظورة، عناصر أساسية تجعل عملية استقطاب الآخرين في متناول اليد، خصوصا وان احترام الخصوصيات وكذلك تجنب اثارة المشاكل، سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، يؤسس لمرحلة توافق وانسجام وتلاقي في المواقف، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على توطيد العلاقات الشخصية كمرحلة أولى، وكنقطة انطلاق أساسية لتوسيع دائرة الصداقات، في مختلف المجالات الاجتماعية.

الاحتكاك المباشر ميدان اختبار حقيقي في اكتشاف معادن الرجال، فالتظاهر بالاخلاق الحسنة ليس كافيا، لاحداث التأثير المباشر على المحيط الاجتماعي، خصوصا وان الممارسات اليومية قادرة على إزالة المساحيق التجميلية التي تغطي وجوه البعض، الامر الذي ينعكس على طبيعة العلاقات الشخصية، فتارة تكون محل اجماع وتقدير والتفاف، وتارة تكون بيئة طاردة للجميع، نتيجة اكتشاف الكثير من السلوكيات السيئة على الصعيد الشخصي، وبالتالي العلاقات الشخصية قادرة على وضع الأمور في المسارات السليمة، من خلال ردود الأفعال تجاه المواقف الحياتية في التعاطي، مع المحيط القريب وكذلك الوسط الاجتماعي.

العمل على تصفير الأعداء خطوة أساسية، للتحرك في جميع الاتجاهات بدون ضغوط، أو محاذير على الصعيد الاجتماعي، فالعمل على استقطاب الأعداء قبل الأصدقاء تحرك صعب، وغير مستساغ لدى الكثير، خصوصا وان عملية إزالة أسباب التوتر، وابداء الرغبة في تحمل تبعات الكثير من القرارات، ليست متاحة للجميع، نظرا لوجود موانع مادية وأخرى معنوية، تدفع باتجاه التمسك بالمواقف العدائية، وبالتالي فان الدخول في مسار التصالح مع الذات، والقدرة على تحمل ردود أفعال الاخرين، يترجم بواسطة العديد من الممارسات العملية على الصعيد الخارجي، وكذلك ابرازها في التعاطي مع الآخرين بشكل مستمر.

التأثير على المحيط الاجتماعي، والقدرة على استقطاب العدو، تتطلب الكثير من الجهد والمزيد من العمل، من خلال ترويض الذات على تحمل الاساءات، وكذلك إمكانية خلق الأجواء المثالية، لاستيعاب مختلف الأطراف، خصوصا وان مستويات التفكير تتفاوت تبعا لمستوى الوعي من جانب، ومدى تأثر الأطراف الأخرى بالثقافة الاجتماعية من جانب اخر، فهناك العديد من الشرائح الاجتماعية غير قادرة على استيعاب اهداف، ومساعي تقريب وجهات النظر، والعمل على تدعيم التماسك الداخلي، ورفض مختلف اشكال العداوة، مما يفرض نشر مبادئ وثقافة السلام والمحبة في النفوس، من اجل الانخراط في المشروع الاجتماعي الموحد، الامر الذي يفضي لحالة من الانسجام، والوئام الداخلي بالدرجة الأولى، بمعنى اخر، فان المؤهلات الذاتية والثقافة المسؤولة، عناصر أساسية في عملية الاستقطاب الاجتماعي، لاسيما وان مفردات الخطاب تختلف باختلاف بيئة وتفكير الفئات الاجتماعية، مما يستدعي التحرك وفق منهجية واضحة لارساء معالم الاستقطاب في مختلف الظروف، خصوصا وان ثقافة الاستقطاب ليست مرهونة بمرحلة زمنية محددة، بقدر ما تمثل مشروعا حياتيا، لادامة العلاقات الاجتماعية على المدى الطويل.

ثقافة الاستقطاب قادرة على تحقيق الكثير من المكاسب، سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، فهي تقضي على عوامل الانشقاق والتشرذم في المهد، الأمر الذي يعود على طبيعة الأخلاقيات الفردية والاجتماعية بالفائدة الكبرى، ”منع خيرك يدعو إلى صحبة غيرك“، وبالتالي فإن التحرك الهادف إلى بث مفردات الاستقطاب في الخطاب اليومي، يعطي البيئة الاجتماعية عناصر الحياة على الدوام.

كاتب صحفي