آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

التفاعل

محمد أحمد التاروتي *

ردود الافعال تتفاوت تبعا لطبيعة الحدث من جانب، ومدى التأثير على البيئة الاجتماعية من جانب اخر، فضلا عن الرابط العاطفي والاخلاقي، فتارة يكون التفاعل طاغيا وكبيرا ويصعب التحكم فيه، وتارة أخرى يكون التفاعل باهتا ومتواضعا للغاية، خصوصا وان العلاقة العاطفية تشكلا محركا أساسيا، في اظهار مقدار التفاعل تجاه مختلف القضايا الاجتماعية.

التحكم في ردود الافعال عنصر فاعل في ضبط الأمور، والحيلولة دون خروجها عن السيطرة، خصوصا وان الانسياق وراء العاطفة يدفع باتجاه بعض القرارات الارتجالية وغير العقلانية، الامر الذي ينعكس سلبيا على طبيعة التعاطي مع الحدث، وبالتالي فان الإفراط في اطلاق الجانب العاطفي في معالجة الحدث، يتسبب في الإخلال بالتوازن المطلوب، بحيث تعطي نتائج سلبية على الصعيد الشخصي.

التفاعل امر مطلوب تجاه مختلف القضايا الاجتماعية، انطلاقا من ”من لم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم“، وبالتالي فان اظهار الاهتمام يحدث اثرا إيجابيا على صعيد العلاقات الاجتماعية، مما يؤسس لحراك جمعي تجاه العديد من الاحداث، من خلال استخدام سلاح التفاعل بالطريقة الملائمة، عوضا من اطلاق العنان للتفاعل غير الإيجابي، ليأخذ طريقه في الثقافة الاجتماعية، فاللامبالاة تحدث تداعيات خطيرة على طبيعة التفكير لدى أفراد المجتمع، ”الساكت عن الحق شيطان اخرس“، بمعنى اخر، فان اشاعة التعاطي الباهت مع الاحداث الاجتماعية، يكرس التفاعل السلبي في الثقافية الفردية، ويعزز الانعزالية في البيئة الاجتماعية، بحيث تبرز على اشكال متعددة بواسطة الممارسات اليومية.

الثقافة المسؤولة عنصر محرك في اظهار التفاعل الإيجابي والعقلاني لدى المجتمع، فالمجتمع الذي يمتلك ثقافة تفاعلية قادر على محاصرة الكثير من التحديات، بواسطة العديد من الحلول المناسبة والعقلانية في الوقت نفسه، خصوصا وان المحركات الذاتية تدفع باتجاه التفاعل الطوعي مع مختلف القضايا الاجتماعية، انطلاقا من الثقافة المسؤولة التي تخلق التفاعل السريع دون الحاجة إلى الضغوط الاجتماعية، أو البحث عن مبررات للانخراط في المعالجات الملا ئمة.

التفاعل العاطفي ليس شرا بالمطلق، خصوصا وان الاحداث الجسيمة تفجر الجانب العاطفي، ليكون المسيطر على المشهد العام، خصوصا وان الجوانب العاطفية تلعب دورا كبيرا في اظهار العنصر الإنساني لدى البشر، مما يساعد في حشد التأييد الاجتماعي تجاه تلك الاحداث الكبرى، بيد ان المشكلة تكمن في محاولة استغلال البعض الجانب العاطفي في تمرير بعض الأمور، لتعظيم الفائدة في الجانب الشخصي لأغراض متعددة، ولكنها تصب في خانة الانانية المفرطة، التي تضع الجوانب الخاصة في المقدمة في جميع الاحوال.

القدرة على اظهار الجانب العقلاني في التعاطي مع الاحداث الاجتماعية، يشكل مدخلا اساسيا في تحريك المعالجات بالطريقة المناسبة، خصوصا وان العقلانية عنصر فاعل في خلق التوازن بين النظرة العاطفية والفعل المتسرع، وبالتالي فان التفاعل العقلاني قادر على احداث الاثر الكبير على الصعيد الاجتماعي، كونه الاكثر على اختراق حالة الصمت المسيطرة على الحراك الاجتماعي تجاه التعاطي مع الاحداث.

ابراز التفاعل السلبي على الملأ ينطلق في الغالب من مواقف معارضة، أو بسبب التشوش الذي تلعبه الضغوط الاجتماعية أو الماكنة الإعلامية، فالكثير من المواقف الحياتية تحدث تموجات متفاوتة تبعا لحجمها، وقدرتها على حشد التأييد الشعبي، فتارة تكون غير مؤثرة جراء محدودية تأثيرها على الاطار الاجتماعي، وتارة أخرى تجلب المواقف الكثير من المتاعب على أصحابها، نظرا لكونها تسير في عكس التيار، وبالتالي فان قراءة المزاج الشعبي امر بالغ الأهمية في الكثير من التفاعلات الاجتماعية، خصوصا وان اظهار القناعات السلبية يخالف المنطقة السليم في بعض الأحيان، مما يستدعي التريث وعدم التسرع في اتخاذ القرارات غير المتوازنة، لاسيما وان هناك انعكاسات خطيرة تتفاعل مع النظرة السلبية، بحيث تخلق حالة من الانزعاج وعدم الرضا.

التفاعل امر طبيعي في اللاشعور الإنساني، خصوصا وان الاحتكاك الاجتماعي يفرض انتهاج مسالك عديدة، فيما يتعلق بمختلف الملفات الاجتماعية، بيد ان المشكلة تكمن في القدرة على وضع الأمور في المسار السليم، بحيث تتناغم مع الحلول العقلانية والمتوازنة، التي تقود لحالة مع التصالح مع البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي