آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

الخطاب الاجتماعي

محمد أحمد التاروتي *

تكييف الخطاب الثقافي مع المستوى التفكير الاجتماعي، عملية أساسية في خلق حالة من الانسجام بين النخب والقواعد الشعبية، خصوصا وأن مبدأ التعالي يحدث فجوة كبرى، فيما يتعلق بإيصال الخطاب بالطريقة المناسبة، فالتفاوت الفكري والاختلاف الثقافي لدى الشرائح الاجتماعية يستدعي التحرك وفق آليات محددة، بهدف الوصول إلى مختلف الطبقات الاجتماعية، من أجل الوصول إلى الغايات والأهداف المرسومة، ”نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم“.

استخدام المفردات البسيطة، والابتعاد عن التعقيد، والإصرار على الخطاب السهل، عناصر أساسية في احداث اختراقات حقيقية في الوسط الاجتماعي، لاسيما وان الخطاب البسيط يزيل الكثير من العراقيل أمام العقول البسيطة، في التعرف على الكثير من المفاهيم والمفردات الأساسية، لتكريس الخطاب الاجتماعي الجامع، لاسيما وان محاولة إبراز العضلات واستخدام بعض المفردات ”الصعبة“ يحفز على النفور، جراء درات الفعل الاعتيادية تجاه التعامل ”الفج“ مع العقول الاجتماعية.

تأسيس خطاب اجتماعي جامع، ليس بحاجة إلى الكثير من المفردات والقواعد المعقدة، بقدر ما يتطلب التواضع في التعاطي مع المستوى الفكري، لدى مختلف الشرائح الاجتماعي، خصوصا وان هناك قواعد قادرة على احداث تحولات جذرية في مفهوم التفكير الفردي، وكذلك احداث تغيير المفاهيم الاجتماعية السائدة، الأمر الذي يستدعي التعرف على تلك الممكنات للحصول على النتائج الأساسية، بمعنى اخر، فان الجلوس على الشجرة والنظر إلى المجتمع بنظر متعالية، لا يخدم كافة الأطراف، فالجميع يرى الاخر بطريقته الخاصة، مما يسهم في تعقيد الموقف، وتكريس حالة النفور بين مختلف الأطراف، وبالتالي فان النزول عن الشجرة يؤسس لمرحلة أساسية، في وضع لبنات الخطاب الاجتماعي الجامع، لاسيما وان هناك معاملات أساسية تستدعي الجلوس على طاولة مستديرة لإزالة اللبس، والعمل على توحيد الرؤى بما يحقق النجاح على المستوى الاجتماعي.

امتلاك الوعي والدخول في نادي ”النخب“ الثقافية، عملية أساسية في تأسيس خطاب اجتماعي متوازن، بيد ان عملية الانتساب إلى النخب الثقافية، تستدعي البحث عن الاليات الملائمة لوضع الخطاب المناسب، خصوصا وان إيجاد الأدوات المناسبة لتكريس الخطاب المتوازن ليس سهلا على الاطلاق، نظرا لتفاوت المفاهيم واختلاف التوجهات على المستوى الاجتماعي، الامر الذي يخلق نوعا من الارباك في عملية الاختيار المناسب للخطاب، فالتحولات الخارجية والقناعات الشخصية، وكذلك الترسبات الفكرية، عناصر تلعب دورا أساسيا في عملية التعاطي مع الخطاب الاجتماعي، لاسيما وان المفردات تشكل مدخلا أساسيا في عملية التنوير الاجتماعي، وبالتالي فان محاولة البحث عن الأسلوب السهل في الخطاب العام، يساعد في تشكيل معالم الخطاب الاجتماعي الجامع بشكل عام.

التركيز على فئات اجتماعية محددة في الخطاب، يكرس الفوقية في البيئة الاجتماعية، مما يحدث حالة من الفوارق الثقافية والاجتماعية، خصوصا وان التحركات الساعية لايجاد العناصر الأساسية للخطاب الاجتماعي، تضع في الاعتبار الاستفادة من كافة الشرائح الاجتماعية، بعيدا عن المناصب والمستويات الاجتماعية، لاسيما وان تشكل الانسجام في المفاهيم السائدة مدخل أساسي في عملية التنوير الثقافي، وبالتالي فان محاولة التعاطي الفئوي وتوجيه الخطاب لاحدى الفئات الاجتماعية، بعيدا عن مختلف الشرائح الاجتماعية، يحدث اختلالا واضحا في استيعاب الخطاب الاجتماعي، ﴿وَمَا? أَنَا? بِطَارِدِ آلَّذِينَ ءَامَنُو?اْ إِنَّهُم مُّلَ?قُواْ رَبِّهِمْ وَلَ?كِنِّى? أَرَى?كُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ .

الحرص على مراعاة مختلف المستويات الثقافية والفكرية في البيئة الاجتماعية، يقود إلى نتائج إيجابية في الغالب، خصوصا وان التعاطي بمسؤولية مع التفاوت الثقافي، والابتعاد عن الطبقية ”الفكرية“ في الخطاب، مدخل أساسي في تحريك البيئة الاجتماعية بالاتجاه السليم، مما يحدث في نهاية المطاف انعطافة إيجابية على المستوى الثقافي، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، انطلاقا من ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ .

كاتب صحفي