آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 10:28 ص

حرية التعبير

محمد أحمد التاروتي *

حرية التعبير سلاح ذو حدين، فتارة يستخدم في الإطار والسلوك الإيجابي، بحيث يقود للارتقاء بالفكر الإنساني، من خلال استخدام الاليات والوسائل المشروعة، والداخلة ضمن الحدود المتعارف عليها لدى العقلاء، وتارة أخرى تخرج عن السياق الطبيعي، بحيث تتحول ”حرية التعبير“ على طامة كبرى، لتدخل العلاقات الإنسانية في المواجهة المباشرة، من خلال التعدي على الحقوق، ومحاولة القفز على الأعراف الأخلاقية.

الوقوف على الحدود الفاصلة، بين المساحات المتاحة للتعبير عن الآراء الخاصة، والخطوط الحمراء التي يحرم تجاوزها، يسهم في ضبط إيقاع السلوك الشخصي في حرية التعبير، خصوصا وان هناك ممارسات مرفوضة بالجملة لدى العقلاء، باعتبارها تجاوزت لا يمكن السماح بها على الاطلاق، كونها سلوكيات غير أخلاقية وخارجة عن السلوك العقلاني المألوف، الامر الذي يستدعي التحرك الجاد لإيقافها لحماية العلاقات الإنسانية، والحفاظ على السلوكيات الاجتماعية، لاسيما وان فوضى ”التعبير“ تدخل البيئة الاجتماعية في مسالك يصعب الخروج منها.

استخدام حرية التعبير للتغطية على السلوكيات غير الأخلاقية والممارسات الاستفزازية، يكشف جانبا من الأغراض الخفية لاستخدام هذه المفردة، خصوصا وان السماح بانتهاك الحدود الفاصلة بين حرية التعبير والتعدي والاجرام، يمهد الطريق امام الكثير من المشاكل، سواء على الصعيد الفردي، أو الاطار الاجتماعي، فالتعدي على الحقوق سيواجه بسلوك مماثل، مما يدخل البيئة الاجتماعية في الخصومة الشديدة، وأحيانا الاحتراب الداخلي، وبالتالي احداث حالة من الانقسام العمودي والافقي في الوقت نفسه.

احترام القانون مبدأ قائم في مختلف المجتمعات البشرية، خصوصا وان القانون يمثل الاطار الحاكم على كافة الممارسات الخارجية للأفراد، الامر الذي يسهم في ضبط السلوك العام، ويحافظ على الذوق العام في البيئة الاجتماعية، بيد ان محاولة استخدام القانون لضرب القيم الأخلاقية، والاقدام على ممارسات تستفز قناعات العديد من الشرائح الاجتماعية، يستدعي التحرك لإعادة صياغة أنظمة تضع الأمور في النصاب السليم، من اجل الحفاظ على النظم الأخلاقية، وإيقاف التمادي لدى بعض الفئات الاجتماعية، من خلال استخدام حرية التعبير لإحداث شروخ في الجدار الاجتماعي.

تغطية الإساءة بشعارات براقة مثل ”حرية التعبير“، عملية مكشوفة ولا يمكن تمريرها على الاطلاق، لاسيما وان ”حرية التعبير“ ليست مطلقة، ولكنها محكومة باطر قانونية ونصوص دستورية، وبالتالي فان محاولة وضع حرية التعبير فوق القانون، ينم عن اهداف أخرى لا تمت لهذه الممارسات بصلة على الاطلاق، لاسيما وان المساس بالقيم الأخلاقية، والعمل على تحطيم منظومة القيم، بواسطة ”حرية التعبير“ يعطي انطباعات سلبية، بمعنى اخر، فان السماح باستخدام حرية التعبير لتجاوز الخطوط الحمراء، والعمل على حماية تلك الممارسات بطريقة قانونية، لا يخدم البيئة الاجتماعية ويهدد مستقبل العلاقات الإنسانية، لاسيما وان ردود الأفعال الناجمة عن المسالك الاستفزازية ستكون اشد قوة، الامر الذي يحدث توترا شديدا على المستوى الاجتماعي العام.

التحركات الاجتماعية الرافضة للسلوك الاستفزازي، وعدم تمرير بعض التصرفات الشاذة، العمل على وضع الضوابط الصارمة لحرية التعبير، عناصر أساسية في الحفاظ على السلوك الاجتماعي العام، وكذلك حماية الافراد من الانخراط في ممارسات غير أخلاقية، خصوصا وان الضغوط الاجتماعية عنصر فاعل في تحريك التصرفات في الاتجاهات السليمة في الغالب، وبالتالي فان إشاعة ثقافة اللامبالاة لا تجلب سوى ”الحسرة“ على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان عملية ضبط السلوك الخارجي مرهون بردود الأفعال لدى المحيط الاجتماعي، الامر الذي يسهم في استخدام حرية التعبير بالطريقة العقلانية، بعيدا عن الفوضوية والتخريب على الاطار الأخلاقي والإنساني.

يبقى مبدأ حرية التعبير اطار إنساني مقبول، في حال استخدامه بالطريقة العقلانية، بعيدا عن الاستفزاز أو الإساءة إلى الاخرين، لاسيما وان حرية التعبير عنصر أساسي في الارتقاء بالفكري البشري، وعامل فاعل في إدارة العلاقات الإنسانية بالطريقة المطلوبة.

كاتب صحفي