آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

أخطاء القرآن النحوية!!

زكي بن علوي الشاعر

كنا نزور كثيرًا ملا باقر بن ملا عبد الكريم إلمدن ذلك الشيخ الشاب بروحه - يرحمه الله! -... أنا وأبناء جيلي، وكنا نسمعه ينشد بيتًا من أبيات الحكمة لم أنسه، وهو:

زماننا كأهلهِ وأهلهُ كما ترى

ولا أزال أذكر هذا البيت، كلما نعق ناعق، وتفيهق متفيهق.

ومن الطامات التي نسمعها وتكرر بأصوات ممجوجة ما يقال من أن في القرآن أخطاءً ”لغوية“ تخالف ما قُعِّدَ من المسائل النحوية!!

ومن أكثر الناس تكرارًا ممقوتًا وعرضًا لهذه الأخطاء المزعومة المنصِّرون من العرب وغيرهم؛ يقولون: لو كان القرآن من عند الله، لما كان فيه أخطاء، ولو لم يعرض للمصحف تغيير وتبديل، لما وجد فيه أخطاء تخالف العربية!!

وهم يحتجون بمثل قوله تعالى: ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين... ، سورة البقرة/62، وقوله سبحانه: ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين... ، سورة الحج/17، ويقولون: لا خطأ في ”الصابئين“ في الآيتين المذكورتين؛ فقد نصب ”الصابئين“، وهذا صواب؛ إذ ”الصابئين“ معطوف على منصوب. ولكن الخطأ في آية ثالثة: ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى... ، سورة المائدة/69؛ فقد رفع ”الصابئون“، وحقه النصب، وهذا من أخطاء القرآن/المصحف اللغوية/النحوية!!

ويحتجون بقوله تعالى: ﴿لكنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة... ، سورة النساء/162؛ ف ”المقيمين“ معطوف على مرفوع، وحقه الرفع، وقد جاء خطأً منصوبًا!!

ويحتجون بقوله تعالى: ﴿إن هذان لساحران ، سورة طه/67، في قراءة من قرأ ب ”إنَّ“ ثقيلة، ويقولون: ”هذان“ اسم ”إنَّ“، وحقه النصب، وقد جاء مرفوعًا خطأً في القرآن/المصحف.

رحم الله علماء العربية الذين أعربوا هذه الآيات، وذكروا وجوهًا منها: أن ”الصابئون“ مرفوع على أنه مبتدأ في جملة معترضة، تأكيدًا لذكر الصابئين، وأن ”المقيمين الصلاة“ منصوب بفعل محذوف، إشادةً بالصلاة ومقيميها، وأن ”إن“ الثقيلة بمعنى ”نعم“ و”حقًّا“، ووجوهًا أخرى يسعها النحو، لا أطيل بذكرها.

ولي في توجيه أعاريب هذه الكلمات رأي لم أعلم أحدًا سبقني إليه، وخلاصته أن مخالفة صورة المعربات جائز، إذا أريد التنبيه على غرض من الأغراض الكلامية؛ ف ”الصابئون“ في صورة المرفوع؛ لتأكيد أن الصابئين مدرجون معدودون في الحكم الجائي في الآية، ولا يخرجون عن ذلك الحكم.

و”المقيمين الصلاة“ في صورة المنصوب؛ للإشادة بالصلاة والمصلين.

و”هذان“ في صورة المرفوع؛ لبيان أن فرعون عظَّم من أمر ما جاء به موسى وهارون عليهما السلام.

يسوغ هذا الرأي ما ذهب إليه النحاة من أن ثمة إعرابًا ظاهرًا، وإعرابًا مقدرًا؛ وقد تعلم أن المتقدمين ذهبوا إلى أن جمع السلامة والمثنى يعرب بالحركات المقدرة على الواو والياء والألف، وكذا الأسماء الخمسة، وليس بهذه الأحرف الثلاثة، والمتأخرون أعربوها بالحروف تسهيلًا.

ولمخالفة صورة الإعراب نظير من التصريف؛ فإنك تقول في وزن ”رَدَّ“: ”رَدَّ“ صورة ظاهرة، و”رَدَدَ“ صورة باطنة، فوزن ”رَدَّ“: فَعَلَ، ولو جئت بوزنه الصوتي لقلت بما يشبه الميزان العروضي: رَدَّ = رَدْدَ = فَعْلَ.

النحو والإعراب قواعد وقوانين تقرِّب صورة الكلمة وشكلها ووصفها وحكمها إلى الأذهان، ولا تحكم ذلك إحكامًا؛ شأنها شأن قانون قياس سرعة المياه، إذا وصلت إلى درجة الغليان واضطربت، أو جرت فتكورت، وخرجت عن قياس السرعة، بقانون حساب السرعة الأولي.

إعراب ”الصابئون“ عندي: معطوف على اسم ”إن“ منصوب، وعلامة نصبه الياء المقدرة عند المتأخرين، أو الفتحة المقدرة عند المتقدمين، جاء في صورة المرفوع؛ لغرض بلاغي.

وإعراب ”المقيمين“: معطوف على المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو المقدرة عند المتأخرين، أو الضمة المقدرة عند المتقدمين، جاء في صورة المنصوب؛ لغرض بلاغي.

وإعراب ”هذان“: اسم ”أن“ منصوب، وعلامة نصبه الياء المقدرة عند المتأخرين، أو الفتحة المقدرة عند المتقدمين.