آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

ثمن بخس

محمد أحمد التاروتي *

يقع البعض فريسة سهلة بين انياب الأقوياء، حيث يحاول اكتساب القوة بطريقة ”غبية“، واحيانا ساذجة، مما يدفع لارتكاب الحماقات والأفعال ”الطفولية“، الامر الذي يشل قدرته على المناورة أو التحرك بسهولة، وبالتالي البقاء في الموقع المرسوم سلفا، نظرا لعدم وجود مساحات متاحة، للتراجع للخلف أو التقدم للأمام، ”الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا“.

الارتماء الاعمى في احضان الأقوياء، دون امتلاك الحلول للخروج بطريقة سلسلة، يشكل عبئا كبيرا على تحركات هذه الفئة في التعاطي مع القضايا الاجتماعية، الامر الذي يفرض الوقوف خلف مواقف الأقوياء طوعا أو كرها، نظرا للافتقار للإرادة القادرة على التحرك بقرار مستقل، خصوصا وان استلاب الإرادة يمثل الخطوة الأولى لدى الأقوياء، لضمان ولاء أصحاب البيع الرخيص، بحيث يتجلى في الوقوف امام التيارات الاجتماعية، وعدم القدرة على مواجهة الأقوياء، أو محاولة الخروج عن الاملاءات الصادرة، فيما يتعلق بطريقة التعاطي مع الازمات الاجتماعية، جراء الخشية من ردود الأفعال من أصحاب ”اليد الطولى“.

الاطماع الشخصية، والاغراءات الكثيرة، تمثل نقاط ضعف لدى أصحاب ”البيع الرخيص“، فهذه الأمور تشكل الطعم الذي يرميه الأقوياء امام هذه الفئة الاجتماعية، مما يدفعها للسير بإرادتها نحو المصائد المنصوبة، وبالتالي فقدان القرارات الاستقلالية بمجرد الوقوع، تحت تأثير الاطماع الشخصية والاغراءات، التي تسيل لها اللعاب، حيث يحاول الأقوياء رمي الفتات لأصحاب ”البيع الرخيص“ لضمان الولاء أولا، والسيطرة عليهم ثانيا، خصوصا وان الأقوياء يدركون طبيعة هذه الفئة، انطلاقا من قاعدة الذي يبيع للمرة الأولى، لا يتوانى عن البيع لمرات عديدة، مما يستدعي اتخاذ الاحتياطات لتفادي التعرض، لغدر أصحاب ”البيع الرخيص“.

الحصول على بعض المكاسب السريعة، والبروز الاجتماعي اللافت، عناصر فاعلة في استمرار أصحاب ”البيع الرخيص“، في مواصلة لعبة الارتماء امام اقدام الأقوياء، خصوصا وان أصحاب النفوذ يعمدون في البداية لتقديم بعض المغريات، لاستلاب إرادة شريحة ”البيع الرخيص“، بهدف استغلالها بطرق متعددة، سواء على الصعيد الشخصي، أو الاطار الاجتماعي، بمعنى اخر، فان المكاسب الصغيرة لأصحاب ”البيع الرخيص“، تشكل مصيدة يصعب الفكاك منها، خصوصا ان الأقوياء لا يقدمون أشياء بالمجان، حيث يعمدون لتسخير كافة الأشياء بطرق متعددة، بهدف زيادة رصيد النفوذ على الصعيد الاجتماعي، الامر الذي يتمثل في توظيف فئة ”البيع الرخيص“، بما يعود بالفائدة الكبرى، على الصعيد الشخصي، والاجتماعي في الوقت نفسه.

ادراك الخطأ الفادح لأصحاب ”البيع الرخيص“، يشكل الخطوة الأولى للمراجعة الذاتية، ومحاولة إعادة بناء العلاقة القائمة مع الأقوياء، بيد ان الأمور ليست بالسهولة المتصورة، نظرا لاختلاط الأوراق، وامتلاك الأقوياء القدرة على اخضاع، أصحاب ”البيع الرخيص“ على الدوام، فتارة من خلال التلويح بإشهار الأوراق الرابحة، وتارة أخرى بواسطة نشر الغسيل على الملأ، مما يسهم في مزيد من الانغماس في طريق ”البيع الرخيص“، نتيجة فقدان القدرة على اتخاذ القرار في فك الارتباط، ومحاولة العودة على المسار الطبيعي في العلاقات الإنسانية.

ممارسة ”البيع الرخيص“ على الاطار الشخصي، تكشف المنظومة الأخلاقية لاصحابها، فهذه اللعبة الخطيرة تدخلها أصحابها في مسالك مظلمة للغاية، نتيجة انتهاج طريقة غير أخلاقية، من خلال الاستعداد للتنازل عن الكرامة الذاتية، عبر تسليم جميع الأوراق الرابحة، انطلاقا من اعتقادات بالحصول على مكاسب كبرى، والحصول على المزايا العديد على الصعيد الشخصي، واحتلال الصفوف الامامية على الاطار الاجتماعي، وبالتالي فان مصير ”البيع الرخيص“ في الغالب خيبة الامل، والفشل في تحقيق الغايات المطلوبة على الصعيد الاجتماعي.

كاتب صحفي