آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

الافتراء على التاريخ

محمد أحمد التاروتي *

يحلو للبعض اقحام بعض الاحداث على التاريخ المعاش، وفي الغالب على الحقبة الزمنية المنقرضة، من خلال نسج قصص خيالية لا تمت للواقع بصلة، سواء بغرض ترك بصمة زائفة على صفحات التاريخ، أو نتيجة أغراض أخرى تدفع باتجاه استخدام هذه الوسيلة، الامر الذي يسهم في تلويث التاريخ بحوادث ليست واقعية على الاطلاق.

خطورة الافتراء على التاريخ، تكمن في تكريس احداث كاذبة، في عقول الأجيال القادمة، لاسيما وان عملية تدوين تلك الافتراءات لا تستهدف الأجيال المعاصرة، بقدر ما تنظر إلى الأجيال اللاحقة للتأثير عليها، ومحاولة اجراء غسيل للأدمغة، بهدف السيطرة عليها ومحاولة التحكم فيها عبر زرع ثقافة كاذبة في التاريخ، وبالتالي فان الافتراء لا يمثل تتزيفا للأحداث التاريخية، وجريمة لا تغتفر على الاطلاق، وانما ينطلق من أغراض خطيرة تؤثر على الثقافة الاجتماعية، بحيث تخلق أجيالا أسيرة لمجموعة من الافتراءات.

الترويج للافتراءات ومحاولة تكريسها كحقائق على الأرض، احدى الوسائل المعروفة في عملية زرع تلك الاحداث على الثقافة الاجتماعية، خصوصا وان الافتراءات على اختلافها تصاغ بأساليب متقنة، وبطرق متعددة، من اجل التأثير المباشر على المتلقي من جانب، والحيلولة دون اكتشافها حقيقتها من جانب اخر، فالافتراء يتخذ مقولة ”اكذب واكذب حتى يصدقك الناس“ منهجا على الدوام، فالاحترافية مطلوبة في ترويج الافتراءات في المحيط الاجتماعي.

يراهن مروجو الافتراء على التاريخ، على انتهاء حقبة الأجيال المعاصرة، للحصول على النتائج المرجوة من وراء تمرير تلك الافتراءات، ومحاولة ادخال حوادث وصياغة ملامح بطولة زائفة، خصوصا وان الأجيال اللاحقة تتعامل مع الاحداث التاريخية بمصداقية وموثوقية في الغالب، لاسيما وان انتهاج النقد في الاحداث التاريخية ليست متاحة للجميع، فهناك شريحة صغيرة قادرة على اكتشاف ”الغث من السمين“، في الكثير من الاحداث التاريخية، الامر الذي يشجع محترفي الافتراء على الاستمرار في تزييف التاريخ بطرق شتى، من اجل تحقيق الغايات والأهداف المرسومة سلفا.

تسخير الإمكانيات المادية والمعنوية، عملية أساسية في نجاح عمليات الافتراء على التاريخ، لاسيما وان التحركات الهادفة على التلاعب في التاريخ، تتطلب الكثير من الإمكانيات المالية، وكذلك توظيف الكوادر المؤهلة للنهوض بهذه العملية، وبالتالي فان عمليات الافتراء على التاريخ تكتب صفحاتها في الغرف المظلمة، والتي تحظى بمباركة أصحاب النفوذ، لاسيما وان المحاولات الفردية للتلاعب بالتاريخ تبقى محدودة للغاية، نظرا للافتقار على القدرات الذاتية على ممارسة هذه الدور الكبير، بمعنى اخر، فان الافتراء على التاريخ ينطلق في الغالب من اهداف كبرى، بهدف تسليط الضوء على حقب زمنية محددة، ومحاولة التشويه بعض الاحداث، وإضافة بعض البطولات على الاحداث المفصلية، من اجل احداث الأثر الكبير لدى المتلقي من جانب، واظهار الحقائق بطريقة مختلفة من جانب اخر.

يصعب التزييف أو التلاعب الاحداث الجسمية، التي شكلت فوارق حقيقية في المسيرة البشرية من جانب، وكونها من المفاصل التاريخية على حفرت في العقول من جانب اخر، بيد ان عمليات التلاعب تتركز في التفاصيل الصغيرة، خصوصا وان الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة ليس شائعا في الغالب، مما يدفع لمحاولة ادخال بعض الافتراءات بين السطور، بهدف خلق حوادث ”وهمية“ ضمن المفاصل التاريخية الهامة، وبالتالي فان القراءة الدقيقة لبعض التفاصيل الصغيرة، تكشف العديد من المحاولات لتزييف الحقائق، بالإضافة لإظهار الجهود لرسم البطولات الكاذبة في صفحات التاريخ، من اجل ابراز الواقع بطريقة مغايرة تماما.

التركيز على بعض الاحداث التاريخية يكشف الغايات الحقيقية، من وراء الاقدام على هذه الجريمة الكبرى، فكل فريق ينطلق من اهداف تدفعه نحو ارتكاب هذه الجريمة، خصوصا وان اظهار الحقائق لا يخدم تلك الأهداف المرسومة، مما يستدعي التحرك السريع لوضع بطولات كاذبة وحرف الحقائق التاريخية عن مسارها الطبيعي.

كاتب صحفي