آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 11:00 م

المعرفة

محمد أحمد التاروتي *

حب الظهور مرض خطير، فهو ”يردي“ صاحبه، ويدخل في متاهات يصعب الخروج منها، انطلاقا من مبدأ ”من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه“، فالبعض تخونه الحكمة في اختيار المكان المناسب، وكذلك الخوص في الملفات المناسبة، مما يدفعه لاقتحام جميع الأمور دون دراية، أو معرفة بالتداعيات المترتبة على تلك الممارسات، فتارة تكون الانعكاسات المترتبة على ”حب الظهور“ محدودة، باعتبارها ذات اثر ضيق للغاية، وتارة أخرى، تخلق تلك ”اللقافة“ ازمة كبرى على الصعيد الاجتماعي، نظرا للأثر الناجم عن ”اللقافة“ غير المبررة.

معرفة الحجم الطبيعي للذات، وكذلك تقدير الإمكانيات الشخصية، وأيضا امتلاك الدراية اللازمة، دروع معنوية تساهم في حماية المرء من الوقوع في فخ ”حب الظهور“، فالمرء الذي يمتلك المقومات الأساسية للخوض في المسائل الشائكة، بإمكانه التعاطي بوعي مع الأمور على اختلافها، نظرا لوجود الأرضية الصلبة للدخول في الطرق الوعرة، وكذلك القدرة على تجاوز المطبات على اختلافها، عبر التفريق بين ”الغث والسمين“، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الثبات، وسط التيارات المتلاطمة في مختلف القضايا.

الوهج الإعلامي، وكلمات الإشادة، وجمل التطبيل، تارة تكون جرس انذار عبر اتخاذ الحيطة والحذر، وعدم الانسياق وراء مثل هذه الممارسات، خصوصا وانها تصدر من فئات تتفاوت في نظرتها، وكذلك تختلف اغراضها من خلال استخدام هذه المفردات، وتارة تكون اداة للانتحار عبر الاستجابة السريعة، الامر الذي يسهم في الدخول في مسالك مظلمة، خصوصا والوهج الإعلامي يغري البعض للإقدام على خطوات يصعب معالجتها، أو محاولة الخروج منها، الامر الذي يقود إلى الهلاك عبر الدخول في مواجهة مباشرة مع التيار الاجتماعي، وبالتالي فان القراءة الواعية وعدم الاستجابة السريعة لكلمات الثناء، يخلق حالة من التوازن على الصعيد الفردي، مما يساعد في الحفاظ على المكانة الاجتماعية.

امتلاك المعرفة قبل الاقدام على الخطوات، عنصر أساسي في الحصول على النتائج الإيجابية، لاسيما وان الخوض في المسائل الشائكة دون امتلاك الحصانة الكافية، يخلق إشكاليات كثيرة على الصعيد الفردي في الدرجة الأولى، وكذلك اثارة الرأي الاجتماعي بشكل مباشر، نظرا للتطرق إلى أمور بحاجة إلى المعرفة الكافية، ”يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة“، فالمعرفة لا تقتصر على جمع المعلومات وقراءة الكتب، ولكنها تكمن في القدرة على التعاطي الواعي والعاقل مع مختلف الأمور، بحيث تنعكس على السلوكيات الخارجية، فالمعلومات عامل مساعد في امتلاك المعرفة، ولكنها لا تشكل بمفردها منظومة المعرفة لدى الإنسان.

الخوض في المناطق المحظورة دون ”المعرفة“، تكشف الحماقة لدى أصحابها، فالعاقل يتجنب اثارة الوسط الاجتماعي، من خلال الاستخدام الوعي للآراء، والعمل على مقاربة الأمور بشكل عقلاني، خصوصا وان طريقة التعبير عن الآراء تشكل الفوارق بين الحمقى والعقلاء، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على ردود الأفعال في البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان المعرفة خطوة ضرورية لتفادي خلق أزمات اجتماعية كبرى، لاسيما وان البعض يحاول الانخراط في طرق وعرة، لا تتناسب مع الإمكانيات والقدرات، التي يمتلكها على الصعيد الشخصي والمعرفي في الوقت نفسه.

محاولة الحصول على الوهج الإعلامي، وتسجيل النقاط السريع، على حساب البيئة الاجتماعية، خطوات خطيرة في مختلف الأصعدة، خصوصا وان ”حب الظهور“ ليس مبررا للدوس على العديد المرتكزات الثقافية القائمة، فهناك ركائز ثقافية لا يمكن تمريرها تحت شعارات ”المراجعة“، أو غيرها من المفردات الطنانة، التي يحاول البعض التواري خلفها لاكتساب بعض الوهج الإعلامي، ”كثر كلامه كثر غلطه“.

تبقى المعرفة سلاح فعال في تجاوز الامراض النفسية، التي تحرك البعض باتجاهات مختلفة، الامر الذي يولد حالة من التشابك الثقافي والفكري على الصعيد الاجتماعي، فالمرء الذي يدركه حجمه يحرص على الابتعاد عن المناطق الخطرة، انطلاقا من ”الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق“.

كاتب صحفي