آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 8:35 م

النقاش الالكتروني

محمد أحمد التاروتي *

فتحت وسائل التواصل الاجتماعي، والانتشار الواسع للواقع الافتراضي، مساحات واسعة لإبداء الرأي في مختلف المجالات، بحيث ساهمت في خلق حراك ثقافي على مختلف المستويات الاجتماعية، خصوصا وان إمكانية الوصول إلى أكبر شريحة بات امرا متاحا، الامر الذي يشجع على الانخراط في المناقشات في جميع القضايا على الصعيد الاجتماعي.

الموقف من النقاش الالكتروني يبقى محل احترام وتقدير، خصوصا وان البعض ينظر إلى الحراك الثقافي الافتراضي ظاهرة غير صحية، وتسهم في تخريب البيئة الثقافية، نظرا لانخراط عناصر لا تمتلك المقومات الأساسيةن والمبادئ الأولية للدخول في مثل هذه النقاشات، بينما ينظر البعض الاخر إلى الحراك الثقافي الافتراضي بشكل مختلف، من خلال التعاطي الإيجابي باعتباره وسيلة للارتقاء بالمستوى الثقافين لدى العديد من الشرائح الاجتماعي، لاسيما وان تبادل الآراء يثري الجانب المعرفي لدى الإنسان، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة التفكير، لدى العديد من الفئات الاجتماعية.

المشكلة تكمن في خروج النقاش الالكتروني عن سياقه الإيجابي، بحيث يتحول إلى حروب طاحنة على مختلف الجهات، مما يحدث الكثير من المشاكل على اطار العلاقات الاجتماعية، جراء التعصب الحاصل في الآراء، حيث يحاول كل طرف تكريس وجهات نظرته بطريقة عصبية، وأحيانا بشكل عنيف، الامر الذي يحدث حالة من الاشتباك ”اللفظي“، وبالتالي خروج النقاش من الحالة الإيجابية والدخول في خانة التخريب، لاسيما وان النقاش يمثل قمة الرقي لدى الإنسان، في التوصل إلى نقاط التقاء بخصوص مناطق الاختلاف.

محدودية المعرفة طامة كبرى في الكثير من النقاشات الالكترونية، حيث باتت السطحية في التفكير، وضحالة المستوى الثقافي لدى بعض الافراد، تسبب في الكثير من الازمات على الصعيد الاجتماعي، فهذه الشريحة تحاول الدخول في قضايا تتجاوز المستوى الثقافي المحدود لديها، بحيث تسهم في تعقيد الأمور بشكل اكبر، فبدلا من الارتقاء بالنقاشات الالكترونية لمستويات متقدمة، تتحول الاختلافات إلى معارك ضارية، جراء إساءة استخدام وسائل النقاشات، وبالتالي احداث بلبلة كبرى يصعب تطويقها، أو محاولة إطفاء نيرانها، فعوضا من ”يكحلها عماها“ كما يقال.

الافتقار إلى رحابة الصدر، وتجاهل الأهداف الحقيقية، من وراء النقاش على الواقع الافتراضي، عناصر مؤثرة في نشوب الكثير من الصراعات، حيث تبدأ تلك المعارك الكلامية على الاطار الضيق، ولكنها سرعان ما تنتشر كانتشار النار في الهشيم، نظرا لانخراط فئات تفتقر للوعي المطلوب، في وضع النقاشات في السياق الطبيعي، فهناك الكثير من الصراعات خرجت من الواقع الافتراضي، لتتجسد على الصعيد الاجتماعي الخارجي، بحيث باتت الاختلافات ”الالكترونية“ مصيبة كبرى على بعض الشرائح الاجتماعي، وبالتالي فان التعاطي ”الاعمى“ مع وسائل التواصل الاجتماعي، يخلق أزمات عديدة على الصعيد الاجتماعي.

يصعب السيطرة على الواقع الافتراضي، وكذلك التحكم في النقاش الالكتروني، حيث أصبحت الأمور أكثر سهولة في ابداء الآراء في مختلف المجالات، إذ تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالكثير من القضايا، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، وبالتالي فان الحديث عن ”التحكم“ في تلك الوسائل مع الانتشار الرهيب، عملية غير واقعية في الوقت الراهن، فالعملية مرهونة بالقدرة على إدارة تلك النقاشات بأسلوب تصالحي، والابتعاد عن الأساليب الهجومية أو العدائية، لتفادي الدخول في مصادمات مباشرة والدخول في المواجهات المباشرة.

امتلاك القدرة على امتصاص ردات الفعل، والتحلي بالصبر، وتفادي الانفعالات غير المبررة، عوامل قادرة على احداث تحولات حقيقية في النقاشات الالكترونية، لاسيما وان الاختلاف في التفكير وتعدد الآراء، يدخل ضمن الطبيعة البشرية، فكل فرد يتحرك وفقا للقناعات الفكرية، مما يحفزه على الاستماتة في سبيل الانتصار لتلك الآراء، وبالتالي فان الانتصار للآراء ليس سببا لخلق الازمات على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان تلك الآراء تبقى ضمن سياق الاجتهادات الشخصية، وهي قابلة للخطأ والصواب، الامر الذي يتطلب الكثير من النقاشات لإنضاجها، كونها وليدة تجارب حياتية، أو نتيجة لعوامل أخرى ساهمت في الوصول إلى تلك القناعات الذاتية.

كاتب صحفي