آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 11:00 م

وليد الكعبة

محمد أحمد التاروتي *

يتضمن كتاب أمير المؤمنين علي ، إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف، جملة صغيرة، ولكنها تحمل الكثير من المعاني، وتشع من حروفها الكثير من المضامين، فهذه الجملة القصيرة تقول ”لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها“.

هذه الجملة الصغيرة للغاية لا تنحصر في الشجاعة، التي يتحلى بها امير المؤمنين ، ولكنها تحمل العديد من المعاني الأخرى، فهي تتضمن القدرة على المواجهة حتى النهاية، انطلاقا من مبدأ الحق الذي يحمله، وكذلك امتلاك قوة المنطق القادرة على اسكات كافة الأصوات، ”علي مع الحق والحق مع علي يدور معه أينما دار“، فوقوف الحشود في صف واحد، لا يمثل الحق على الاطلاق، ”الحق لا يعرف بالرجال.. وإنما يعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف أهله“.

الكتاب شديد اللهجة الذي وجهه الامام علي ، إلى عامله على البصيرة، يشكل خارطة طريق، والحرص على تصحيح الاعوجاج منذ البداية، خصوصا وان الكتاب يتناول الكثير من الأمور، ويحاول وضع الأمور في المسار السليم، وبالتالي فان الكتاب لا ينحصر في لفت الانتباه إلى العامل، بقدر ما يرسم الطريق امام الولاة في التعاطي مع الرعية، من اجل قطع الطريق امام محاولات شراء ”الولاة“، بواسطة بعض الولائم التي تقام على شرفهم، بمعنى اخر، فان جملة ”لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها“، جاءت في سياق التمسك بالقيم، والحفاظ على القيم الأخلاقية، فضلا عن أهمية تحلي القائد بالشجاعة، وامتلاك القدرة على المواجهة، وعدم التردد مهما كانت الأسباب، فالمقياس في جميع الأمور يتمثل في البصيرة، والتمسك بالحق في مختلف الأمور.

اعطى الامام علي الكثير من الدروس، في سبيل الإصرار على الطريق، والعمل على تصحيح المسارات، والحيلولة دون الخروج عن الجادة الصائبة، فاعلان امير المؤمنين الصريح بالقدرة على الصمود في مواجهة كافة العرب، ليس مستغربا على الاطلاق، لاسيما وان الجميع يعرف الشجاعة التي يتحلى بها اسد الله الغالب في الحروب، حيث يعرف ب ”قتّال العرب“، إذ لم يسجل التاريخ هزيمة للامام علي في جميع المعارك التي خاضها، منذ المعركة الأولى ”بدر“ وحتى المعارك الأخيرة في الجمل أو صفين أو النهروان.

ادراك سيد الاوصياء لمكنون النفوس لدى العرب تجاهه، ومدى الضغينة التي يحملها البعض لشخصه الشريف، يدفعه لاطلاق التحدي والمواجهة الكبرى، خصوصا وان الأحقاد التي يحملها بعض العرب، تجاه الامام علي ليست خافية على الجميع، حيث ظهرت بشكل جلي في معركة كربلاء، حينما كشف الجيش الاموي، عن احقاده المدفونة بقوله ”نقاتلك بغضا لابيك“، وبالتالي فان وقوف العرب في الصف المقابل للامام علي ، ليس مشكلة عل الاطلاق، انطلاقا من المعرفة المسبقة لدى امام المتقين ، لطبيعة الأحقاد التي يحملها بعض العرب.

يصعب حصر مدلول جملة ”لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها“ في جانب محدد، نظرا لاتساع مساحة المعاني التي تحملها، خصوصا وان التظاهر يستدعي العمل الكبير على الحشد، والتحرك الجاد لمواجهة الطريق الذي يسلكه الامام علي ، لاسيما وان السيرة الحافلة لسيد الاوصياء طوال الدعوة الإسلامية، وكذلك الدفاع المستميت عن الرسول ﷺ، وأيضا المكانة الرفيعة التي يحظى بها، رفعت من مستوى الحسد وأحيانا الحقد، الامر الذي تمثل في اتخاذ مواقف مضادة طيلة حياته، وبالتالي فان الجملة تحمل في طياتها الكثير من الحقائق، التي يدركها سيد الموحدين تجاه البيئة التي تحاصره على الدوام.

كاتب صحفي