آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 11:00 م

الحماية الاجتماعية

محمد أحمد التاروتي *

تشكل الحماية الاجتماعية احدى صمامات الأمان لمختلف الشرائح، فهذه الممارسة توفر الغطاء القادر على إعطاء الحقوق لكافة الأطراف، خصوصا وان انفراط عقد الحماية الاجتماعية يولد الكثير من الإشكالات، ويخلق أزمات داخلية، بعضها ذات اثر مباشر على التركيبة الاجتماعية، والبعض الاخر يؤثر على طبيعة التفكير والعلاقة مع الأطراف الأخرى، خصوصا وان ”الظلم“ يولد الإحساس بالقهر، ويدفع باتجاه خيارات عديدة، الامر الذي يحدث حالة من الصراع الداخلي، يترجم في توتير العلاقات على الصعيد الخارجي.

التحرك باتجاه توفير أسباب الاستقرار النفسي، والسلم الاجتماعي، يكشف المنظومة الأخلاقية التي تحملها بعض الأطراف الاجتماعية، خصوصا وان الاحساس بأهمية الوقوف بوجه مختلف التجاوزات على الصعيد الاجتماعي، عنصر فاعل في خلق البيئة المثالية لتكريس الوئام، والصفاء في النفوس، وبالتالي قطع الطريق امام مختلف أنواع الجور والظلم، لاسيما وان القدرة على مقاومة الظلم تختلف باختلاف الفئات الاجتماعية من جانب، وسيطرة ثقافة ”اكل للقوي للضعيف“ من جانب اخر، فالبعض يحاول تسخير حالة الضعف والعوز لدى بعض الشرائح الاجتماعية، لتوسيع نفوذه والعمل على توظيف الإمكانيات، لوضع اليد على ممتلكات تلك الفئات، فيما البعض الاخر يحاول تسخير الظروف والإمكانيات المتاحة، للصعود على اكتاف الضعفاء، من خلال استغلال النفوذ والاستفادة من المواقع التي يحتلها.

الحماية الاجتماعية لا تنحصر في حماية حقوق الافراد، والحرص على توفير البيئة المناسبة للحفاظ على تلك الحقوق، وانما تشمل كذلك مختلف اشكال الممارسات الخارجية، وكذلك الاعمال ذات الطابع الإنساني، والتطوعي في بعض الأحيان، فالمنظومة الأخلاقية الحميدة تشكل حافزا، ومحركا أساسيا في إشاعة ”الحماية الاجتماعية“ بالبيئة المعاشة، لاسيما وان تكريس هذه الثقافة في البيئة الاجتماعية، يساعد على تعزيزها بشكل مباشر، في العقل الجمعي لدى مختلف الشرائح الاجتماعي، خصوصا وان اكتساب هذه الممارسة على الصعيد الخارجي، يسهم في تحريك الضمائر الحية، باتجاه رفض مختلف اشكال الممارسات الاستغلالية، التي تتحرك للاستيلاء على الحقوق، والعمل بسط النفوذ بطريقة غير أخلاقية.

وجود المناخ الإيجابي، واحتضان البيئة الاجتماعية، للفئات ”المحرومة“ أو الضعيفة، يسهم في اشعال فتيل هذه الممارسة الأخلاقية في النفوس، خصوصا وان التحرك الهادف للدفاع عن حقوق الفئات المحرومة، يشجع على احداث تغييرات جذرية في الثقافة اليومية لدى المجتمع، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على إيقاف بعض الاعمال، الساعية لالغاء حقوق هذه الفئات الاجتماعية، وبالتالي فان الاحتضان الاجتماعي قادر وضع الأمور في المسارات السليمة، بحيث تتجلى في وضع جدار قادر على حماية الحقوق، واعلاء شأن الحماية الاجتماعية في الضمير الإنساني، والأخلاقي، على حد سواء.

المبادرة الذاتية في تفعيل الحماية الاجتماعية، تعطي دافعا قويا على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان هناك بعض الممارسات تتطلب الخطوة الأولى، من اجل رسم طريق واضح لها على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فان اطلاق المبادرة الذاتية يحفز على الانخراط، في خلق بيئة قادرة على تحريك الضمائر الحية، لتقديم المساعدة في سبيل الحماية الاجتماعية، لاسيما وان الخطوة الأولى في طريق الخير تؤتي ثمارها على الاطار الاجتماعي، الامر الذي يساعد في إيجاد الأرضية المناسبة، لتعزيز مفهوم الحماية الاجتماعية في نفوس الافراد، ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرً .

الحماية الاجتماعية بمدلولها الأخلاقية، وانعكاساتها الثقافية، قادرة على احداث انسجام على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان الدفاع عن الحقوق يقابل بردود الأفعال الإيجابية، لدى مختلف فئات المجتمع، مما يساعد في تجاوز بعض الامتحانات الصعبة، التي تواجه البيئة الاجتماعية، فعملية الاستيلاء على حقوق الاخرين، تسهم في نخر المجتمع من الداخل، وبالتالي إشاعة الأحقاد والخصومات، جراء سيطرة ثقافة الغاب في التعاملات اليومية.

كاتب صحفي