آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

نشر الجهل

محمد أحمد التاروتي *

تقمص العلم طامة كبرى على البيئة الاجتماعية، كونها جرثومة قادرة على نشر الجهل، مما يتسبب في ادخال المجتمع في متاهات مظلمة للغاية، فهناك شرائح اجتماعية تحاول نقل امراض الجهل المزمنة، التي ترزح تحتها إلى أكبر شريحة اجتماعية، من باب ”إذا عمت طابت“، فتارة تحاول لبس قناع العلم لإخفاء الجهل الذي تخفيه، وتارة أخرى تستخدم الأدوات المختلفة لإيقاع بعض الشرائح في مصيدة الجهل، من اجل نشر هذه الجرثومة القاتلة لدى العديد من الفئات الاجتماعية.

الشروع في نشر الجهل يبدأ بشكل خجول، بهدف الحصول على موطئ قدم، والحصول على مساحة للتحرك بحرية في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان محاولة اقتحام الوسط الاجتماعي بشكل مفاجئ يواجه بمعارضة شديدة، مما يدفع لانتهاج سياسة التدرج، والعمل على احداث تأثيرات محدودة في المجتمع، بهدف خلق مناخا قادرا على توظيف الأهداف المرسومة بالشكل المطلوب، لاسيما وان عملية نشر امراض ”الجهل“ يتطلب الكثير من الجهد والمزيد من الصبر.

الحصول على المساحة الكافية للتحرك بحرية، يمثل النقطة الأساسية للانطلاق بقوة في عملية نشر الجهل، في مختلف الفئات الاجتماعية، من خلال رسم مسارات محددة، وتحديد الأهداف بدقة متناهية، لاسيما وان انتقال البيئة الاجتماعية من مرحلة ”التعلم“ إلى منطقة ”الجهل“، يترك تداعيات خطيرة على الاطار الفردي، وكذلك في تحديد منهجية التفكير على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فان التحركات المدروسة لنشر الجهل في المجتمع، عملية أساسية في تحقيق التقدم المأمول.

التأثير الواسع لأرباب نشر الجهل على الصعيد الاجتماعي، مرتبط بالدرجة الأولى بمستوى الوعي الاجتماعي أولا، والقدرة على تغليف الجهل بصبغة ”العلم“ ثانيا، مما يساعد على انتشار هذه المعلومات بشكل سريع وغير مسبوق، نظرا لغياب القدرة على التفريق بين ”الغث“ و”السمين“، فانعدام الوعي الاجتماعي يفتح الطريق امام اختراق ”الجهل“ للعقول، بحيث يصبح ”الجهل“ المادة الأساسية، التي تغذي التفكير في مختلف التحركات، وكذلك طبيعة الاختيار في الممارسات الحياتية.

وجود بيئة حاضنة للجهل عنصر أساسي، في تنامي هذه الظاهرة على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان الجهل غير قادر على الصمود في وجه العلم، الامر الذي يدفع حملة الجهل على ممارسة مختلف أنواع الحيل، في سبيل التأثير على البيئة الاجتماعية، بهدف الحصول على مكاسب حقيقية لتحقيق المآرب الذاتية، من خلال التركيز على بعض الفئات الاجتماعية للتأثير عليها، ومحاولة كسب تأييدها لمواصلة مشوار نشر الجهل، والعمل على تقديم بعض المغريات، في سبيل الحصول على الدعم الشعبي، لاسيما وان الحاضنة الاجتماعية تمثل الجدار القادر على تقديم الدعم اللازم، لحملة الجهل، للوقوف في وجه معارضة العلم، وأصحاب الوعي لإنقاذ المجتمع، من براثن امراض الجهل بمختلف اشكاله.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، اصبح احد الأدوات الأساسية في نشر ”الجهل“، على الصعيد الاجتماعي، فالفوضى في انتشار البيانات، وغياب ”الغربلة“ الذاتية في النشر، يدخل ضمن خطوات نشر الجهل لدى مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصا وان وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت احدى المصادر في انتقال المعلومة، بحيث باتت عمليات نشر الجهل أكثر سهولة من الفترات السابقة، نظرا لامكانية الوصول إلى أكبر شريحة اجتماعية، في غضون دقائق معدودة، بمعنى اخر، فان عملية نشر الجهل أصبحت داء مزمن في الوقت الراهن، لاسيما وان غياب المصداقية في انتقاء المعلومة، يسهم في تعميم الجهل بصورة مباشرة، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية.

البناء المنهجي لمواجهة ارباب نشر الجهل في البيئة الاجتماعية، عنصر فاعل في توفير المناعة الذاتية لمواجهة مختلف اشكال الجهل، لاسيما وان حملة الجهل يتحركون وفق اهداف محددة، تتمثل في ادخال العديد من الشرائح الاجتماعية في مصيدة الجهل ومحاربة مختلف اشكال الوعي القادر على احداث التحولات الجذرية في البينة الفكرية لدى مختلف افراد المجتمع.

كاتب صحفي