آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

مواقف إنسانية

محمد أحمد التاروتي *

تظهر المعادن الحقيقية للبشر في الأوقات الصعبة، حيث تتحول النوازع الشيطانية الطاغية إلى اخلاقيات ملائكية، خصوصا وان النزعة الملائكية تبقى مغروسة لدى البشر، بالرغم من الاعمال الشيطانية التي تمارس بشكل مستمر، فالأزمات على اختلافها تحرك الجانب الإنساني، سواء شعوريا أو لا شعوريا، بحيث تبرز على اشكال متعددة، ولكنها تصب في قناة اظهار الرحمة، والتعاطف مع الاخرين.

المواقف الإنسانية تختلف باختلاف التفكير لدى البشر، فتارة تكون بواسطة المساعدة المعنوية، ومحاولة انتشال الآخرين من مستنقع الازمات بطريقة أخلاقية، وتارة أخرى تظهر تلك المواقف بطريقة مادية، من خلال المبادرة على تقديم المساعدة المادية، لاسيما وان الازمات البشرية تتعدد مما يستدعي التحرك وفقا للإمكانيات أولا، وتبعا لنوعية المساعدة المطلوبة ثانيا، خصوصا وان متطلبات الازمات تتفاوت من بيئة اجتماعية لأخرى، نتيجة الاختلاف الحاصل في الظروف القاهرة، التي تفرض نفسها على الواقع الخارجي في الكيانات البشرية، الامر الذي يستدعي انتهاج أساليب متعددة، لمد يد العون لتلك البيئات السكانية.

الشعور بمعاناة الاخرين، احد المحركات الأساسية، وراء اتخاذ المواقف الإنسانية، فالمرء الذي يمتلك إحساسا مرهفا، وقدرة على الإحساس بهول المصيبة على الاخرين، يحرص على التحرك وفق هذا الشعور، من خلال العمل على تقديم المساعدة وفقا للإمكانيات المتاحة ”لا يكلف الله نفسه الا وسعها“، وبالتالي فان الشعور بمصائب الآخرين يولد طاقة إيجابية، بحيث تتجلى في انتهاج ممارسات قادرة على اظهار الجانب الأخلاقي، والسيطرة على النوازع الشيطانية التي تحاول تغليب ”الشماتة“، على حالة التعاطف والحزن تجاه معاناة الاخرين.

طغيان الجانب الإنساني، وسيطرة الصفة الأخلاقية، عنصر أساسي في ابراز الوجوه الحقيقية للبشر، لاسيما وان الممارسات الشيطانية تصبغ حياه بعض الفئات، مما يحول دون اظهار جانب الخير في حياة البشر، فالأزمات على اختلافها تساعد في تحريك صفات الخير المدفونة، لدى بعض البشر، الامر الذي يتمثل في المسارعة لوضع كافة الإمكانيات، تحت تصرف الفئات المحتاجة، بهدف احداث تغييرات حقيقية في حياة البؤس التي تكابدها، أو محاولة إيجاد مخارج لاخراج الكيانات البشرية، من الازمات عبر استخدام مختلف اشكال المساعدات.

الهبة الشاملة لمختلف الفئات الاجتماعية، والاستجابة لنداءات الاستغاثة، وتوفير كافة المتطلبات الأساسية، تمثل ابرز الوجوه للمواقف الإنسانية التي تظهرها الكيانات البشرية، تجاه بعضها البعض، خصوصا وان التباطؤ في تقديم العون وإدارة الظهر امام معاناة الاخرين، يكشف الجانب الشيطاني الذي يسيطر على تصرفات بعض الفئات الاجتماعية، لاسيما وان الجانب الفطري البشري يحرك النفوس، باتجاه تقديم المساعدة للأخرين في الأوقات الصعبة، وبالتالي فان اتخاذ المواقف الإنسانية بطريقة مثالية، وبشكل سريع، يحدث الأثر الكبير في النفوس، ويعزز الاعتقاد بوجود ”جانب الخير“ في النفوس على الدوام.

الكلمة الطيبة تحدث اثرا كبيرا في النفوس، خصوصا وان رفع الجانب المعنوي يساعد في تجاوز جزء من الازمات على اختلافها، فالتعاطي الإيجابي والابتعاد عن الجانب السلبي في التعاطي مع الازمات، يساعد في تقريب النفوس، ويعزز حالة الوئام لدى الكيانات البشرية، لاسيما وان ”الكلمة الطيبة صدقة“ باعتبارها وسيلة لترميم جزء من الشروخ النفسية، التي تكابدها بعض الكيانات الإنسانية، في أوقات الازمات الكبرى، بمعنى اخر، فان المواقف الإنسانية ليست مقصورة على بعض الممارسات، أو اتخاذ بعض الاشكال، فهي تتوزع تبعا لآليات التفكير لدى مختلف البشر، فتارة تكون بواسطة المواساة، والعمل على توفير أكبر حشد، لتقديم العون والمعونة، وتارة أخرى تلعب المعاملة الحسنة دورا كبيرا، في اخراج بعض الكيانات البشرية، من الازمات عبر استخدام الوسائل المناسبة، للتعبير عن المواساة، من خلال المفردات القادرة على التخفيف من وقع الحدث على النفوس.

كاتب صحفي