آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

مافيا المآسي

محمد أحمد التاروتي *

تستغل بعض الفئات المريضة الكوارث والمآسي في اظهار مهاراتها الشيطانية، حيث تعمد منذ اللحظات الأولى للنكبات لابراز الجانب البشع من الاخلاقيات والممارسات السيئة، بهدف زيادة المكاسب المادية أو لحصد المزيد من الأسهم السياسية، انطلاقا من قاعدة ”مصائب قوم عند قوم فوائد“، حيث تتجلى في الخطابات الصادرة عن تلك الفئات المريضة.

الفراغ المؤقت الحاصل نتيجة الكوارث التي تعيشها بعض المجتمعات البشرية، تشكل فرصة سانحة لاظهار الجانب الخفي لدى بعض الشرائح المريضة، من خلال استغلال الظروف الصعبة في تعظيم المكاسب على الأرض، فتارة بطريقة مباشرة وواضحة عبر استخدام الطرق الشيطانية في التعاطي مع المصائب الاجتماعية وتارة أخرى بطريقة ملتوية وغير مريئة للحصول على المزيد من المكاسب على حساب جراح الاخرين.

الانفصال التام عن المجتمع يشكل عنصرا أساسيا وراء الانخراط في طريق الانتهازية، خصوصا وان الشريحة التي تنتمي إلى البيئة الاجتماعية تحاول اظهار التلاحم والتعاضد والرحمة في الأوقات الصعبة، من خلال تقديم المساعدة بشتى اشكالها، بهدف التخفيف من حجم المعاناة التي يكابدها المجتمع في الظروف الاستثنائية، فيما الفئة المريضة تحاول الاستفادة من المآسي بطريقتها الخاصة، للحصول على الكثير من المكاسب في الأوقات الصعبة، لاسيما وانها تشعر ب ”الغربة“ الجسدية أحيانا والانفصال الفكري أحيانا أخرى، مما يدفعها لمحاولة اظهار تلك المشاعر بصور متعددة تجاه البيئة التي تعيش في حالة من المحن والمصائب.

تلعب المنظومة الأخلاقية دورا في تحديد الخيارات الحياتية لدى العديد الشرائح الاجتماعية، فاذا كانت المنظومة الأخلاقية فاضلة فانها تدفع باتجاه ممارسة الدور الإيجابي على الصعيد الاجتماعي، من خلال وضع الإمكانيات المادية والمعنوية تحت تصرف المجتمع في الأوقات الاستثنائية، فيما تدفع الاخلاق السيئة أصحابها لاتخاذ مواقف سلبية واستغلالية في أوقات المحن، من خلال توظيف القدرات الشيطانية بطرق مختلفة، في سبيل اظهار المهارات العقلية باشكال متعددة، بهدف تسخير الظروف القاهرة بما يعود بالفائدة القصوى بعيدا عن المنظور الأخلاقي أو الإنساني الذي يفرض اتخاذ الخيارات الإيجابية، عوضا من التمسك بالجوانب السلبية في التعاطي مع تلك الاحداث الاستثنائية.

مافيا المآسي تتقمص الكثير من الادوار، حيث تحاول التأقلم مع الأوضاع التي تعيشها الكيانات البشرية، فالهدف يكمن في إمكانية احداث اختراقات حقيقية على الأرض، مما يستدعي اتباع مختلف الأساليب في سبيل تلك المآرب، وبالتالي فان محاولة تشخيص تصرفات ”مافيا المآسي“ ضمن اطار موحد من الصعوبة بمكان، نظرا لتعدد الخيارات والوسائل لدى تلك الفئة المريضة، خصوصا وان حصد المكاسب يتطلب تنويع الطرق، انطلاقا من مبادئ قائمة على ”الغاية تبرر الوسيلة“، بمعنى اخر، فان التحركات الساعية لتفويت الفرصة على تلك الفئة الشيطانية تواجه في الغالب بردود أفعال مضادة، من اجل الخروج باقل الخسائر على الصعيد الاجتماعي، فالنجاح في عملية تحقيق المكاسب على الأرض يستدعي أحيانا اظهار الوجه الرحيم لاحداث تأثيرات مؤقتة في البيئة الاجتماعية، بهدف الحصول على التأييد الشعبي، مما يمهد الطريق امام تعظيم الفوائد في نهاية المطاف.

البيئة الاجتماعية تشكل محورا أساسيا في تقليص دور ”مافيا المآسي“، فالمواقف الصارمة والوقوف بقوة في وجه الممارسات الشيطانية، يسهم في تحجيم دور هذه الشريحة المريضة، لاسيما وان التغاضي وعدم اتخاذ المواقف الرافضة يشجع على المزيد من الممارسات غير الأخلاقية، فالبيئة الاجتماعية التي تعيش أوضاعا صعبة لا تلقي بالا لمثل هذه التصرفات السلبية، جراء الاهتمام بامور كبرى، وبالتالي فان الفئة المريضة تحاول الاستفادة من الاهتمامات المتعددة في المجتمع لتشكيل تحالفات شيطانية على حساب جراح المجتمع، بيد ان الضرب بيد من حديد على التصرفات السيئة يسهم في اتخاذ مواقف رادعة والحد من تنامي هذه الظاهرة التي تنم عن انحطاط كبير في المنظومة الأخلاقية لدى فئة شيطانية تتحرك للدوس على معاناة المجتمع بطريقة خبيثة.

كاتب صحفي