آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 2:23 م

الثبيتي يستيقظ في القطيف!

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

فجأة استيقظ الشاعر محمد الثبيتي من نومه السرمدي، بعد عقدٍ من الزمان على رحيله في الطائف، وانتصب واقفاً على شاطئ القطيف في منزل يشع بالأدب والثقافة، حيث حطّت قافلة «أدب» يتبعها عشرات الأدباء والشعراء من مختلف أرجاء السعودية في منزل الإعلامي والكاتب محمد رضا نصر الله، فكانت أمسية مترفة بالشعر والأدب والتاريخ والموسيقى.

لا شيء مثل الأدب يوصل الجهات، ولا شيء مثل الشعر يصنع هوية الإبداع، وينصب خيمة للمبدعين مهما تنوعت مشاربهم. جاءت قافلة «أدب» يقودها الدكتور عبد الله السفياني من الطائف أرض الثبيتي «سيد البيد» الذي أضاف دفقة روحٍ جديدة للقصيدة الحديثة في الخليج، وليس في السعودية وحدها، ومعها أضاف لتيار الحداثة زخماً هائلاً، وحققت قصائده حضوراً كبيراً في المشهد الثقافي، كما قصيدته: «تغريبة القوافل والمطر»، ومستهلها: «أدرْ مُهج الصبحِ / صبَّ لنا وطناً في الكؤوسْ»، وقصيدته: «موقف الرمال... موقف الجناس»، وفيها يقول: «أمضي إلى المعنى / وأمتصّ الرحيقَ من الحريقِ / فأرتوي».

في تلك الأمسية القطيفية التي غصّت بالشعراء أمثال: الدكتور عبد العزيز خوجة «وزير الثقافة والإعلام الأسبق»، والمحقق والشاعر عدنان العوامي، والشاعر محمد الماجد، والأكاديميتين الدكتورة زكية العتيبي، والدكتورة شيمة الشمري، والأديب والروائي الدكتور أحمد الشويخات، والشعراء: محمد أبو شرارة، وعيد الحجيلي، وحسن الصميلي، وشفيق العبادي، وعلي سباع، جنباً إلى جنب مع شعراء الأحساء: جاسم الصحيح، وجاسم عساكر، وعبد الوهاب أبو زيد، وحيدر العبد الله، وناجي حرابة، والعشرات من أهل الشعر والأدب والفن.

الشاعر محمد الماجد، حيا محمد الثبيتي في قصيدة رائعة، جاء فيها: «أبرقَ الكأسُ / وغيمٌ في الرؤوسْ / صبَّها كالقارِ / «يا قلبَ العنا» / فال «مقادير» على شَفْرة موسْ / يتفصّدنَ / من «العُودِ» ضَنا / ويمازحنَ من الليل عَبوسْ: / مَن هنا؟ / يا حظَّ مَن كانوا هنا! / كلَّما طاشَت من «البحر» «عروسْ» / عصَّبَ «المجرورُ» / رأسَ «الميجنا» / ومَشى / كالنار ما بين مجوسْ / يسألُ الجمرَ: / علينا؟ / أم لنا؟».

ومثله شفيق العبادي استحضر الثبيتي: «لم تعطهم ظهر القصيدة حينما طعنوا مجازك / دون أن تدري / فما هذي الحروف وسيلة الغرقى / ولكن ألف شمس في سمائك يستضيء بها الدليل / لا نار فيها اليوم غير دخان أسئلة / لكي ما نستعيد بها رماد الأمس / يا أيقونة الزمن الجميل».

وهكذا عرّج شاعر المدينة المنورة عيد الحجيلي، نحو الثبيتي: «أسري إلى المعنى / إذا ما ضاقَ عن ظلّي مدايْ / وإذا تَمَغْربَ مَشْرِقٌ / وأضعْتُ بينهما صُوايْ / أسري على ظهر المجازِ / أشِفُّ / يغشاني سَنايْ / أطوي سُمِيَّ الآفلينَ / وأجتلي ثَمِلاً أنايْ / أسري إليه».

نجحت «أدب» كمؤسسة ثقافية وإعلامية بالتعاون مع هيئة الترجمة والنشر في وزارة الثقافة، في تحويل الفعاليات الثقافية إلى صلة الوصل بين أرجاء الوطن، وإلى تحويل الأدب والشعر إلى نهر يجري في أرجاء الحياة؛ في المحافل والطرقات. قبل هذه الفعاليات حطّت قافلة «أدب» في جزيرة فرسان. وعلى نحو هذه الفعاليات، قامت «أكاديمية الشعر العربي» التي يرأسها الدكتور منصور المريسي، بدعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة، في نوفمبر «تشرين الثاني» 2022، بتسيير «قافلة النخيل» التي ضمّت كوكبة من شعراء الأحساء جالت بهم في ربوع المملكة، شملت: الطائف، ومكة المكرمة، وأبها، وجازان، لإقامة الأمسيات الشعرية وزيارة الأدباء والمعالم التاريخية. يمكن للأدب والشعر أن يبني جسور الصلة والتلاقي وخلق الفضاءات الجمالية المشتركة، وهو أحد التعبيرات عن الرقي الإنساني، وهو «أفضل ما تم اختراعه من أجل الوقاية من التعاسة» كما يقول ماريو يوسا، و«الأدب يوحّد القلوب المتنافرة» كما يقول تولستوي.. وهو هنا يحقق إنجازاً جديداً بأن يخرج من معلبات المؤسسات، إلى أن يتحول إلى مادة ثقافية يومية يتعاطاها الناس: يدخل البيوت، ويجري في الطرقات، ويبني الشراكة بين المجتمعات، ويعرفهم ببعض، ويشيد جسور التواصل بينهم.