آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 12:39 م

الوقفة المجتمعية

محمد أحمد التاروتي *

تنامي ثقافة التعاضد والتكاتف الاجتماعي ظاهرة إيجابية، حيث تعتبر احدى الوسائل لانتشال بعض الفئات من حافة الهاوية إلى بر الأمان، خصوصا وان هناك شرائح اجتماعية تكابد الويلات في سبيل الحصول على لقمة العيش، مما يضطرها لتقديم بعض التنازلات من اجل التغلب على مصاعب الحياة من جانب، ومحاولة الحصول على مساحة ضيقة لمزاحمة الضغوط الكبيرة التي تئن تحت وطأتها.

اتساع دائرة ثقافة التعاضد الاجتماعي، مرتبط بوجود القيم الإنسانية من جانب، وسيطرة المنظومة الأخلاقية لدى شريحة واسعة من جانب اخر، خصوصا وان طغيان الحالة الفردية وتغليب الانعزالية على التعاون، عناصر أساسية في اتساع دائرة الضيق والعوز لدى بعض الفئات الاجتماعية، فالافتقار لثقافة التعاون يخلق فوارق مادية في الجسم الاجتماعي، الامر الذي يترجم على اشكال مختلفة بعضها ظاهرة للعيان، والبعض الاخر متوارية عن الأنظار، وبالتالي فان الحصول على الوقفة المجتمعية الإيجابية مرتبط بالقيم الأخلاقية الحاكمة أولا، وكذلك بطريقة تعاطي البيئة الاجتماعية مع الواقع البائس الذي تكابده بعض الافراد ثانيا.

التشجيع يمثل أحد العوامل الأساسية، وراء تكريس ثقافة التعاضد الاجتماعي، خصوصا وان اللامبالاة وتجاهل جهود التكاتف الاجتماعي، يحدث حالة من الانكسار الداخلي لدى البعض، مما يحول دون تنامي هذه الظاهرة الإيجابية على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فان التشجيع يلعب دورا كبيرا في عملية اتساع دائرة ثقافة التعاضد الاجتماعي، لاسيما وان النظرة الإيجابية تحدث اثرا معنويا كبيرا في النفوس، مما يحفز على الانخراط بشكل كبير في المبادرات المرتبطة بالتعاضد الاجتماعي.

وجود البيئة الحاضنة لثقافة التعاضد الاجتماعي، عنصر من العناصر المحفزة في زيادة رقعة التحركات الساعية، لانتشال بعض الفئات البائسة في المجتمع، فالبيئة الطاردة للمبادرات الأخلاقية تشكل بؤرة لانتشال البؤس والعوز فيها، جراء الافتقار للثقافة الداعمة للمساندة والمساعدة في مختلف المجالات الحياتية، خصوصا وان ثقافة التعاضد الاجتماعي ليست مقصورة على الجوانب المادية، ولكنها تشمل مختلف اشكال المساندة، الامر الذي يسهم في احداث الأثر الكبير في النفوس على الصعيد الاجتماعي، فالمجتمع الحي قادر على تحريك التحديات في الاتجاهات الإيجابية، من خلال اتخاذ الوسائل القادرة على الاستفادة من المصاعب، لإحداث التغييرات المناسبة على الصعيد الاجتماعي.

الوقفة المجتمعية تبدأ في العادة من مبادرات فردية، ولكنها سرعان ما تتحول إلى ثقافة سائدة ومشروع اجتماعي، من خلال استخدام الأدوات المناسبة، ومحاولة القفز على الاحباطات المادية، والعمل على رسم مسارات مغايرة، من اجل الحصول على النتائج الإيجابية، لاسيما وان عملية انتشال البؤس الاجتماعي من الجذور، يتطلب الكثير من الجهد والمزيد من العمل، الامر الذي يستدعي التحرك في مختلف الاتجاهات، وعدم الالتفات إلى الأصوات النشاز أو المعارضة، من اجل الوصول إلى الأهداف المرسومة، خصوصا وان التحديات التي تواجه الوقفة المجتمعية ليست قليلة، نظرا لوجود عناصر تحاول تعطيل حركة المجتمع بشتى الطرق، سواء بغرض الحصول على غايات خاصة، أو بسبب الضغوط المختلفة التي تدفعها لاتخاذ المواقف المضادة.

الإرادة الصادقة، والرغبة الراسخة، والمبادئ الثابتة، عناصر فاعلة في تجاوز شتى أنواع التحديات، في سبيل تكريس ثقافة التعاضد في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الانعكاسات الإيجابية الناجمة عن انتشار هذه الثقافة، ستعود على الجميع بالفائدة الكبرى، بخلاف التحركات الفردية وتغليب الانتهازية والانعزالية في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان الوقفة المجتمعية قادرة على تحطيم الحواجز المادية والمعنوية، التي تحاول احداث انقسامات عميقة في جدار المجتمع، الامر الذي يستدعي العمل على إزالة تلك الترسبات السلبية من الثقافة السائدة، من اجل زرع بذور التعاضد في المفردات الحياتية، عوضا من تكريس النزعة الفردية في الممارسات الحياتية.

تبقى الوقفة المجتمعية وسيلة قادرة على احداث تحولات ملموسة في المجتمع، لاسيما وان الثقافة الجمعية تلعب دورا محوريا في خلق المناخ المناسب لتوظيف الإمكانيات على اختلافها في سبيل الارتقاء بمختلف الفئات الاجتماعية، مما ينعكس إيجابيا على مختلف شرائح المجتمع.

كاتب صحفي