آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 8:44 ص

الامتحانات الصعبة

محمد أحمد التاروتي *

تلعب الامتحانات الصعبة، التي تواجه المجتمعات على اختلافها، دورا كبيرا في اذابة الاختلافات وتوحيد الجهود، وتأجيل الاشتباكات على أنواعها، نظرا لوجود تحديات مصيرية وقضايا أكثر أهمية، الامر الذي يتمثل في تناسي الكثير من الأمور بشكل مؤقت، انطلاقا من قاعدة ”الأهم والمهم“، فالأولويات تفرض اتخاذ الخطوات الضرورية لتقديم شتى أنواع الدعم، وتوفير مختلف أنواع المساعدة، خصوصا وان التحدي الوجودي يستدعي انتهاج خطوات مغايرة تماما، عن الاليات المتبعة في الأوقات الاعتيادية.

الامتحانات الصعبة تظهر المعادن الحقيقية لمختلف الافراد، فالمبادرة والحرص على اظهار الجانب الإنساني، وتناسي الماضي بمآسيه، يسهم في توحيد الرؤي وصهر الجميع للبحث عن الوسائل المناسبة، لتجاوز التحديات المصيرية، خصوصا وان محاولة نبش الماضي، والعمل على تكريس الاختلاف، لا يخدم الجميع، فهذه الممارسات تكشف الجانب الشيطاني، الذي يسيطر على تصرفات وثقافة البعض، لاسيما وان الأوقات الصعبة تتطلب العمل الجماعي، وتجنب مختلف اشكال الصراعات، والعمل على انقاذ مركب المجتمع من الغرق، الامر الذي يستدعي تسخير جميع الإمكانيات، ومحاولة الاستفادة من كافة الجهود، بعيدا عن المواقف السابقة، نظرا لوجود امتحانات كبرى لا تفرق بين الصغير والكبير، أو شريحة دون أخرى، فالخطر لا يقتصر على فئة دون أخرى، فنار الامتحانات الصعبة تأكل الأخضر واليابس، دون التفريق بين شريحة وأخرى.

مواجهة الامتحانات الصعبة بمبادرات إيجابية، يعطي انطباعات إيجابية بوجود ثقافة قادرة، على التعامل بطريقة مثالية، من اجل الوصول إلى بر الأمان من جانب، وتقليل حجم الخسائر الناجمة عن تلك الامتحانات من جانب اخر، لاسيما وان التراخي في اتخاذ الإجراءات المناسبة، لمواجهة التحديات المصيرية في المجتمع، تترك تداعيات مختلفة على الكثير من الشرائح الاجتماعية، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على القدرة على تحمل تلك التبعات، بحيث تبرز على اشكال متعددة بعضها تظهر سريعا، والبعض الاخر تخرج للعيان بعد فترة قصيرة المدى أو بعيد الاجل، بمعنى اخر، فان الثقافة الاجتماعية عنصر فاعل في تحريك البيئة الاجتماعية، باتجاه توحيد الجهود، ونبذ مختلف اشكال التفرقة للحصول على العلامات اللازمة، لتحقيق النجاح في مواجهة الامتحانات الصعبة.

الاختلافات في الرؤى، والانقسامات في التوجهات، جزء من الطبيعة البشرية من جانب، وتمثل عنصر إيجابي في حال توظيفه بالطريقة الإيجابية من جانب اخر، بيد ان الإصرار على المواقف المتشنجة في الأوقات العصيبة، ينم عن قصور كبير في طريقة التفكير، والسطحية في رؤية الأمور بالطريقة المناسبة، فالأوقات العصيبة التي تمر بها المجتمعات البشرية، تستدعي تكاتف الجهود وتجاهل الماضي، من اجل رسم المستقبل والخروج من تلك الامتحانات الصعبة باقل الخسائر، خصوصا وان التفرقة لا تولد سوى الخيبة والخسارة، سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي، المصائب على اختلافها تتعامل مع الجميع بطريقة متساوية، مما يستدعي التعاطي مع تلك الامتحانات، بما يتناسب للحصول على النتائج الإيجابية، على الصعيد الاجتماعي، الامر الذي يسهم في تعظيم الفائدة على الاطار الفردي، فالانتصار لا يحسب لفئة على أخرى، كما الهزيمة لا تطال فريق دون اخر، وبالتالي فان التعاطي السلبي يخلق العديد من الازمات الداخلية، ويعرقل الجهود المبذولة لتحقيق الانتصار على الامتحانات الصعبة.

الاستفادة من التجارب البشرية عنصر أساسي، في اكتساب المعرفة لاختيار الوسائل المناسبة لمواجهة الامتحانات الصعبة، بيد ان الجمود وعدم ابتكار الأساليب المناسبة، بما يتناسب مع التطور الفكري، والمستجدات على الأرض، يترك اثارا سلبية فيما يتعلق بالآليات المناسبة، للتخفيف من وطأة تلك الامتحانات على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان التطور الزمني والثقافة الاجتماعية يشكل عناصر أساسية، في عملية الابتكار في اتخاذ الخطوات المطلوبة، فالتقليد الاعمى ليس مطلوبا على الاطلاق، باعتباره عاملا سلبيا وغير قادر على تحقيق المكاسب المرجوة، وبالتالي فان توظيف التجارب البشرية بطريقة ذكية، يساعد في اجتياز الامتحانات الصعبة بشكل احترافي، من خلال اختيار الفريق المناسب، وعدم الالتفات إلى الأصوات الساعية لاستغلال تلك الأوقات العصيبة، في تحقيق المكاسب الخاصة، لاسيما وان إعطاء تلك الأصوات الاهتمام يشتت الجهود، ويفضي للمزيد من الفشل على الصعيد الاجتماعي.

كاتب صحفي