آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 8:44 ص

المكتسبات الاجتماعية

محمد أحمد التاروتي *

الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية، والعمل على تكريسها في الثقافة السائدة، يسهم في احداث تطورات في التفكير العام، فهذه الثقافة قادرة تحريك الجانب الإيجابي، واستبعاد العنصر التخريبي من النفوس، خصوصا وان هناك صراعا كبيرا في بين النظرة الإيجابية ومثيلتها السلبية، بحيث يتجلى في التصرفات الخارجية لدى بعض الافراد، من خلال تغليب احدهما على الأخرى نتيجة عوامل عديدة، بعضها ذات صبغة خادعة، والبعض الاخر مرتبط بالنوازع الفردية.

المكاسب الاجتماعية ليست ملكا لشريحة دون أخرى، فهي نتاج تراكمات طويلة من الجهود من العمل، بحيث أصبحت واقعا معاشا على الاطار العام، لاسيما وان تسجيل المزيد من المكاسب مرتبط بالحالة الإيجابية لدى الافراد، من خلال الحرص على توظيف الإمكانيات، وتسخير القدرات في خدمة البيئة الاجتماعية، الامر الذي يحفز على المزيد من العمل، في سبيل الارتقاء بالفكر الاجتماعي، ومحاولة رسم مسار واضح للمسيرة العامة.

انتشار الثقافة السلبية عنصر تخريب، وتدمير في البيئة الاجتماعية، فهذه الثقافة تولد التراخي وتدعم الانعزالية في النفوس، الامر الذي يسهم في القضاء على المبادرات الذاتية، ويحطم الطموحات الشخصية، مما يخلق حالة من الانهزامية في الشخصية الاجتماعية، بمعنى اخر، فان المكاسب الاجتماعية غير قادرة على الاستقرار، أو النمو في البيئات السلبية، نظرا لوجود ثقافة غير قادرة على العطاء، بقدر ما تبحث عن المبررات للخروج، من ساحة المواجهة مع التحديات الخارجية، لاسيما وان الواجبات الاجتماعية تفرض على المرء التعاطي بروح المسؤولية مع متطلبات المجتمع، باعتبارها جزءا من الواجب تجاه البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان بث الثقافة السلبية تحركا غير صحي على المدى البعيد، فهذه الثقافة ليست قادرة على العطاء، وإنما تعمل على تقويض المكاسب على اختلافها.

الانطلاق من الخدمة الاجتماعية، واستبعاد الانانية من النفوس، وكذلك تغليب العمل الجماعي على الجهد الفردي، عناصر فاعلة في تعظيم المكاسب على الاطار الاجتماعي، خصوصا وان النظرة المستقبلية تحدث اثرا كبيرا في التفكير الفردي، من خلال احداث مزاوجة بين المصالح الشخصية والمصلحة العامة، فالمرء بإمكانه وضع قواعد قادرة على العمل، بشكل متواز للحفاظ على النجاحات الفردية، والعمل على تكريس المكاسب على الاطار الاجتماعي، الامر الذي يعزز ثقافة التعاون في النفوس لدى العديد من الفئات الاجتماعية.

الايمان الكامل بأهمية تكريس الاستحقاقات الاجتماعية، يولد حالة من التحفيز الذاتي للانطلاق بقوة في مختلف الاتجاهات، لاسيما وان النجاحات الفردية ليست منفصلة عن المكتسبات الاجتماعية، فجميع الإنجازات الذاتية ستنعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الاطار الاجتماعي، سواء من خلال تسجيل تلك الإنجازات للمجتمع، أو تعزيز ثقافة الخدمة الاجتماعية في النفوس، الامر الذي يخلق حالة من التنافسية بين الفئات الاجتماعية، وبالتالي تحقيق المزيد من المكاسب، والحرص على توظيف الكفاءات بالطريقة المثلى.

الوقوف بحزم امام محاولات التلاعب بالمكاسب الاجتماعية، يساعد في احداث مقاومة حقيقية في النفوس أولا، والثقافة الاجتماعية ثانيا، خصوصا وان الاستسلام للدعوات التخريبية يحدث فجوات في جدار المجتمع، مما ينعكس بصورة مباشرة على تحريك الجانب الشيطاني، لدى بعض الشرائح الاجتماعي، بحيث يتجلى في التقليل من حجم الإنجازات، والعمل على نشر الروح الانهزامية في النفوس، سواء بسبب الافتقار إلى الثقافة القادرة على الصمود، أو بسبب غايات خاصة تستهدف النيل من المكاسب الاجتماعية، وبالتالي فان مقاومة تلك الدعوات يمثل خطوة أساسية، في التمسك بالمكتسبات على اختلافها، ورفض كافة اشكال التقليل من اثارها على الاطار الجمعي.

الاستحقاقات الاجتماعية، تمثل الشعلة التي تضيء طريق مختلف الفئات الاجتماعية، باعتبارها عنصرا محفزا على مواصلة الطريق، والعمل على قطع الطريق امام المحاولات الساعية، لمحوها من الثقافة السائدة، خصوصا وان هناك فوارق كبيرة بين القناعات الخاصة في أهمية تلك المكاسب، والتحركات العملية لتقويضها من الواقع الخارجي، فالنظرة تجاه تلك المكاسب تبقى ضمن الحدود المتاحة، في التعبير عن الآراء بطريقة عقلانية، فيما عملية تقويض المكاسب الاجتماعية تمثل خطورة كبرى على البيئة الاجتماعية، فهذه الطريقة لا تستهدف استبدال المكاسب باخرى، وانما تتحرك لمحو التاريخ والقضاء على الخبرات المتراكمة.

كاتب صحفي