آخر تحديث: 7 / 5 / 2024م - 11:44 م

توظيف المعرفة

محمد أحمد التاروتي *

الاستفادة من المعارف تتنوع باختلافها تفكير أصحابها، فهناك شريحة تستخدم المعرفة في تنمية الذات، واكتساب المزيد من المعارف، لاحتلال مواقع متقدمة في الوسط الاجتماعي، فيما تحاول شريحة أخرى توسيع دائرة المعارف لتشمل المحيط القريب، من خلال تعميم الفائدة على الدوائر القادرة على اكتساب المعارف، بينما تحرص شريحة ثالثة على نشر المعارف على نطاق واسع من الفئات الاجتماعية، انطلاقا من الايمان الكامل بضرورة الارتقاء بمختلف الشرائح الاجتماعية، فيما تحاول شريحة التقوقع على الذات، والاحجام عن نشر المعارف، وابقاء تلك المعارف محبوسة دون البوح بها.

الاختلاف في توظيف المعارف ينطلق على الرؤية الخاصة لكل شريحة، خصوصا وان الرؤية والطموح وكذلك الأهداف، تشكل عناصر أساسية في تحركات جميع الفئات الاجتماعية، الامر الذي يترجم على اشكال متعددة من التحركات في الوسط الاجتماعي، وبالتالي فان محاولة ترجيح رؤية على أخرى، يتطلب الولوج في تلك الرؤى المختلفة، من اجل وضع التقييم المناسب، وتجنب اتخاذ القرارات الارتجالية.

الشريحة التي تركز على تنمية الذات، تنطلق من مرتكزات خاصة، وتعتمد على اليات محددة، خصوصا وان تنمية الذات يشكل ركيزة أساسية، للانطلاق في الوسط الاجتماعي، من خلال بناء الذات بالدرجة الأولى، قبل الشروع في مشروع الارتقاء بالبيئة الاجتماعية، ”مداد العلماء افضل من دماء الشهداء“، وبالتالي فان زيادة المعارف الذاتية عنصر أساسي، في عملية اتخاذ القرارات الصائبة، لاسيما وان الجهل ليس قادرا على وضع بصمة قوية في الوسط الاجتماعي، ”العامل بجهل كالسائر على غير طريق“، و”الجَهْلُ مُمِيْتُ الأَحْيَاءِ، َومُخَلِّدُ الشَّقَاءِ“.

فيما الشريحة الثانية تحاول رسم مسارات واضحة داخل النطاق الضيق، من خلال وضع المعرفة تحت تصرف شريحة محددة، لاسيما وان مشروع الارتقاء بالبيئة الاجتماعية، يتطلب وجود عناصر تمتلك المعرفة، والقدرة على رسم الطريق الواضحة في الوسط الاجتماعي، الامر الذي يستدعي التركيز على بناء كوادر محددة، عوضا من إضاعة الوقت في تشتيت المعارف بين فئات واسعة، لاسيما وان الاهتمامات تختلف من فرد لاخرى، مما يعني ان محاولة تكريس المعرفة في بعض المعارف بمثابة إضاعة للوقت، وبالتالي فان الاختيار المناسب للفئة القليلة امر مطلوب، بمعنى اخر، فان الحديث عن الانانية في نشر المعارف ليس دقيقا على الاطلاق، نظرا لوجود موانع داخلية لدى بعض الفئات تجاه اكتساب المعرفة، مما يستدعي تحديد الخيارات للحصول على الثمار الناضجة في نهاية المطاف.

بينما الشريحة الثالثة تنطلق من رؤية واضحة، تتسم بالشمولية وكسر الطوق المفروض على المعارف، من خلال اتخاذ خطوات جريئة، وعدم الاستسلام للمخاوف التي تساور البعض تجاه البيئة الاجتماعية، انطلاقا من ”كثرة الطق يفك الحديد“، وبالتالي فان الفشل في التجربة الأولى لا يعني رفع الراية البيضاء، و”ترك الحبل على الغارب“، لاسيما وان الارتقاء بالمستوى المعرفي للوسط الاجتماعي يشكل تحديا كبيرا، مما يستدعي استخدام كافة الوسائل لتحقق الطموحات المرسومة، على الاطار الاجتماعي، فالتحديات الكبيرة والمتعددة تدفع باتجاه ابتكار الطرق المناسبة، بهدف استقطاب المزيد من الشرائح الاجتماعية إلى طريق المعرفة.

الاجتهادات تبقى محل احترام وتقدير من لدن أصحاب المعارف، فيما يتعلق بالآليات المتبعة في عملية توظيف المعرفة، لاسيما وان الرؤى المختلفة مرتبطة بطريقة التفكير من جانب، والقدرة على قراءة الواقع الاجتماعي من جانب اخر، الامر الذي يحفز على الدفاع عن تلك الرؤى المختلفة، والعمل على تطبيقها على ارض الواقع، وفقا للظروف القائمة والإمكانيات المتاحة.

توظيف المعرفة بما يخدم الذات أولا، وخدمة البيئة الاجتماعية ثانيا، عنصر أساسي في مشروع التنوير الشامل، انطلاقا من ”زكاة العلم نشره“ أو ”زكاة العمل تعليمه“، مما يستدعي وضع الخطط المناسبة للاستفادة القصوى من المعارف، سواء على الصعيد الفردي، أو الاطار الاجتماعي.

كاتب صحفي