آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 2:21 م

مراعاة المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

القفز على الثقافة الاجتماعية، ومحاولة تخريب التقاليد السائدة، ينطلق في بعض الأحيان من رؤية قادرة، على اخراج البيئة الاجتماعية من حالة السكون إلى الحياة والنشاط، خصوصا وان الرتابة ليست مطلوبة في العديد من الأحيان، مما يستدعي البحث عن الاليات والطرق القادرة، على بث الحياة في النفوس، والعمل على اخراج مختلف الشرائح الاجتماعية، من الخمول إلى وضع الحركة والنشاط، الامر الذي يستدعي التحرك وفق منهجية، قادرة على تحريك الروتين باتجاه اخر، من اجل احداث تغييرات جزئية في الثقافة الاجتماعية السائدة، نظرا لأهمية الانتقال من واقع قائم إلى اخر مختلف.

عملية التلاعب في الثقافة الاجتماعية، تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، خصوصا وان عملية الانتقال من واقع قائم إلى اخر غير واضح، تتطلب القدرة على ضبط الأمور، والحيلولة دون خروج الأوضاع عن السيطرة، لاسيما وان الافتقار إلى الاليات المناسبة لتوجيه السلوك الاجتماعي، يتسبب في الكثير من المخاطر سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي، الامر الذي يستدعي وضع كافة الاحتمالات، ومحاولة دراسة الخطوات بشكل دقيق، فالمراحل الانتقالية المفاجئة التي تعيشها المجتمعات، تخلف فوضى داخلية وصراعا شديدا، على الصعيد الخارجي، انطلاقا من المخاوف الناجمة عن عمليات الانتقال من حالة السكون، إلى مرحلة النشاط والحيوية، وبالتالي فان الرغبة في تحريك الأمور واحداث حركة عنيفة في البيئة الاجتماعية، تلك الرغبة ليست كافية لوضع تلك الخطط على الأرض، نظرا لوجود تداعيات كبيرة يصعب تصورها ابان المرحلة الانتقالية.

امتلاك القدرة على الإمساك بالأمور خلال المرحلة الانتقالية، تتمثل في التعاطي الواعي من حالات الرفض، وكذلك معالجة المقاومة الشديدة من لدن بعض الفئات الاجتماعية، خصوصا وان الخشية من الفوضى، وكذلك حالة الغموض التي تكتنف عملية تغيير المفاهيم السائدة، عناصر أساسية في ارتفاع أصوات الرفض والمقاومة لدى شرائح اجتماعية، لاسيما وان هناك العديد من التداعيات المترتبة على التحول الاجتماعي، بحيث تبرز على اشكال ذات علاقة بطريقة التفكير، لدى بعض الفئات الاجتماعية، وبالتالي فان تحويل التحديات إلى فرص استثنائية للنهوض بالبيئة الاجتماعية، ينطلق من توظيف الإمكانيات المتاحة، وكذلك وجود ثقافة قادرة على التأقلم السريع مع التحولات الجديدة، خصوصا وان العملية الانتقالية تكشف القدرات المتوافرة لدى المجتمع، لتضاف إلى العديد من المتغيرات على طبيعة التفكير السائد.

مراعاة المجتمع، والعمل اتخاذ الخطوات المتأنية، يساعد في احداث الأثر الكبير في عملية الارتقاء بالثقافة الاجتماعية، لاسيما وان الثوابت القائمة تمثل القاعدة الصلبة في كافة التحولات الاجتماعية، فالتمسك بتلك الثوابت يساعد على احداث التوازن المطلوب، خصوصا وان التفريط في الثوابت ينسف الكثير، من المفاهيم المغروسة في الثقافة الاجتماعية، كما ان الافراط في التمسك بالثوابت يتسبب في الكثير، من الكوارث في العديد من المفاهيم السائدة، وبالتالي فان الحرص على مراعاة البيئة الاجتماعية ينم عن التفكير الواعي، والرغبة في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، والابتعاد عن أسباب التوتر بمختلف اشكالها، لاسيما وان جس نبض ردود فعل المجتمع يساعد في وضع المعالجات، والحلول المناسبة.

تقبل البيئة الاجتماعية للخطوات التحويلية، يعطي انطباعات إيجابية بخصوص طبيعة تلك الخطوات، لاسيما وان عمليات التحول تواجه في الغالب بحالة من الحذر، وأحيانا الرفض، نظرا للإشكاليات المترتبة على هذه النوعية من التحركات على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فان احتضان البيئة الاجتماعية لتلك التحركات ينم عن وجود ادراك كبير، بما تحمله من انعكاسات إيجابية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، لاسيما وان الأثر المرسوم لتلك التحركات سينعكس على الثقافة الاجتماعية السائدة، الامر الذي يخلق انطباعات إيجابية على الصعيد الخارجي.

تبقى عملية مراعاة البيئة الاجتماعية عنصر فاعل في وضع الأمور في المسارات السليمة، فالتدهور يتسبب في خلق أزمات كبرى على الصعيد الفكري وكذلك يسهم في نشوب معارك في الاطار الاجتماعي، مما يعرقل كافة الجهود الساعية لوضع الخطط التحويلية وبالتالي تبخر تلك الاحلام بشكل نهائي.

كاتب صحفي