آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 8:35 م

التطور الفكري

محمد أحمد التاروتي *

التطور الفكري مرتبط بالعوامل الداخلية والتطورات العالمية، فالقفزات الفكرية لدى الأجيال، ليست معزولة عن التفاعلات الداخلية، وليست مقطوعة عن المجريات العالمية، فهذه العناصر قادرة على تشكيل المنظومة الفكرية لدى مختلف الأجيال، نظرا من تحدثه انعكاسات على طبيعة النظرة، وكذلك الآليات المتخذة في التعاطي مع الأحداث على اختلافها، الأمر الذي ينعكس على نوعية القرارات المتخذة، وبالتالي فإن محاولة رسم مسار منعزل عن الضغوط الداخلية، والعوامل الخارجية، يحدث فجوة واضحة في عملية القراءة المناسبة، لطبيعة التفكير البشري بشكل عام.

التركيز على الخصوصية الاجتماعية، والتحرك وفق الانعزالية التامة عن الواقع الخارج، يترك تداعيات غير صحية على طبيعة التفكير العام، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، خصوصا وان الانفصال الكامل عن الخارج يحول دون رؤية الأمور بطريقة سليمة، لا سيما وان طبيعة التفكير ”الانعزالي“ ينطلق من مخاوف غير واقعية في أحيان كثيرة، فالعمل على عزل المجتمع عن الواقع الخارجي، تكون نتائجه وخيمة على مدى البعيد، انطلاقا من ”العارف بأهل زمانه لا تهجم عليه اللوابس“، وبالتالي اتخاذ المواقف السلبية تجاه العناصر الخارجية، ينم عن تفكير غير سليم، ويعطي نتائج عكسية في الغالب.

العمل على الاستفادة من العوامل الداخلية، عنصر أساسي في وضع الأمور في المسار الإيجابي، خصوصا وان التركيز على جانب دون آخر، لا يخدم الجانب الفكري لمختلف الشرائح الاجتماعي، بقدر ما يترك حالة من فقدان التوازن، في معالجة الأمور بالطريقة المناسبة، نظرا لتغليب جانب على حساب الجوانب الأخرى، الأمر الذي ينتج حالة من القصور في تحريك الأمور بالاتجاهات المناسبة، بمعنى آخر، فإن العوامل الداخلية تشكل أحد العناصر الفاعلة في تشكيل التفكير الاجتماعي ولكنها ليست وحدها قادرة على خلق التوازن في النظرة تجاه مختلف الأحداث، فهناك عناصر ضاغطة قادرة على أحداث تحولات جذرية، في التفكير الاجتماعي، مما يستدعي التحرك وفق نظرة شاملة، بعيدا عن الانتقالية في التعاطي مع الأمور، بحيث تخلق حالة من التفاعل المطلوب في نهاية المطاف.

إعطاء العناصر الخارجية اهتماما متزايدا، يمثل بدوره تطرفا في معالجة الأمور بالطريقة العقلانية، خصوصا وان التفكير السليم يدفع باتجاه التفاعل المتوازن، بعيدا عن ”الإفراط والتفريط“، مما يستدعي دراسة الواقع الخارجي بنظرة واقعية، من أجل استخلاص الدروس والاستفادة من تلك العناصر، بما يعود على المجتمع بالفائدة الكبرى، خصوصا وان الانسياق التام وراء الضغوط الخارجية، يجلب الكثير من الإشكالات على الإطار الفكري، لدى العديد من الشرائح الاجتماعي، بحيث تبرز على شكل الخروج عن ”النص“، ويحدث حالة من الانقسام في التفكير، جراء حالة ”الانهزامية“ تارة تجاه العناصر الخارجية، و”الانبهار“ تارة أخرى تجاه الأحداث العالمية.

النظرة القاصرة للأمور تولد قصورا واضحا في التفكير الاجتماعي، لا سيما وان تشكيل الاهتمام مرتبط بالحالة التفاعلية، على الصعيد الداخلي والإطار الخارجي، فالترجيح غير المتوازن في الاهتمامات، يتسبب في بعض الإشكالات على الإطار الفكري العام، لاسيما وان الدعوة إلى التركيز على العناصر الداخلية، والعمل على توظيفها بالطريقة الإيجابية، لا يعني ترك العوامل الخارجية وراء الظهر، خصوصا وان التفاعل غير المدروس والتعاطي غير الناضج، ينعكس بصورة مباشرة على طريقة التفكير العام، لدى مختلف الفئات الاجتماعية.

التفكير الاجتماعي انعكاس للقراءة الواعية، لمجريات الأحداث على اختلافها، فإذا كان التفكير متواضعا فإنه يعطي انطباعات عن طبيعة التفاعل، مع المعطيات الداخلية والمستجدات الخارجية، فيما التفكير الواعي يخلق حالة من الرضا، ويكشف نوعية المعالجات السائدة في اتخاذ المواقع المناسبة، تجاه الأمور والآليات المستخدمة في الاستفادة من العناصر الداخلية، والقدرة على توظيف العوامل الخارجية، مما يساعد في وضع الأمور في المكان المناسب، بعيدا عن الفوضوية والتطرف في التعاطي، مع ما يجري في الداخل وما يحدث في الخارج.

كاتب صحفي